فرصة العمل توازي فرصة التعليم
عبد اللطيف شعبان
التعليم هدف وطموح الجيل الناشئ بدافع منه وبتشجيع كبير من أهله، ومن حظه أن طموحه مدعوم لدرجة عالية بالخدمات الكبيرة المجانية التي تقدّمها الدولة من خلال وزارة التربية بمدارسها ومعاهدها، ومن ثم من خلال وزارة التعليم العالي بكلياتها ومعاهدها، وأيضاً من خلال المعاهد التعليمية التابعة لبعض الوزارات الأخرى، وقد شرَّعت الدولة إلزامية التعليم، وأحدثت دائرة التعليم الإلزامي في كل مديرية تربية لتتابع النشء الجديد عن طريق دوائر السجل المدني، وتتأكد من دخول كل طفل -أنثى وذكر- بلغ سن السادسة من العمر إلى المدرسة، كما شرَّعت قبول بعض المعوقين ضمن القاعة الدرسية حال كان وضعهم يسمح بذلك، ومن ثم شرَّعت أحقية دخول مرحلة التعليم الثانوي لكافة الناجحين في شهادة التعليم الأساسي، وأيضاً أحقية دخول مرحلة التعليم العالي (كليات ومعاهد) لجميع الناجحين في شهادة التعليم الثانوي، ومؤخراً دخل التعليم الخاص العالي الكلفة في كل مراحله.
وعليه إن كانت الخدمات التعليمية أسفرت عن تحقيق الهدف الأولي المتمثل بنهضة تعليمية عالية المستوى على مستوى القطر، لكن العمل هو الهدف البعيد ومحطّ الطموح الأساس الذي يعقب التعليم، لم يترافق بتوسع جبهات عمل تستوعب النهضة التعليمية، الأمر الذي تسبّب في حدوث حالة عدم توازن بين التعليم والعمل، فحجم التعليم المتاح لا يقابله فرص عمل متاحة إلا بنسبة أقل، وهذه الفرص تنخفض تدريجياً عاماً بعد عام، خلافاً للتزايد المطلوب، حتى أنه قد تمّ إلغاء عشرات المعاهد والكليات التي كانت ملتزمة بتعيين خريجيها عقب إنهاء الدراسة، والمؤسف أن السنوات الأخيرة شهدت عدم التزام الجهات الرسمية بتعيين آلاف الخريجين من الكليات والمعاهد التي لا تزال ملتزمة بها نظرياً، وتحديداً خريجي بعض الكليات الهندسية، والمؤسف أكثر أنه كثيراً ما ظهر عدم وجود عمل فعلي لبعض الذين تمّ تعيينهم في هذه المديرية أو تلك، أو أن المهمات التي أوكلت لهم لا تتناسب مع تخصصهم الفعلي، عدا عن شكوى الكثيرين من أن راتبهم يكاد لا يغطي مصروفهم الشخصي، ما جعل البعض يعزف عن طلب التعيين رغم حاجته الماسة لذلك، والملفت للانتباه استعداد الآلاف منهم للسفر خارج القطر، وقد سافر الكثيرون منهم.
وبالتالي فإن المبالغ الكبيرة التي تمّ صرفها -من الدولة ومن الأسرة- خلال المرحلة التعليمية على هؤلاء الخريجين لم تؤتِ ثمارها في داخل البلد الذي أعدّهم لهذه الغاية، علماً أن سفر الكثيرين قد ينعكس إيجاباً على أسرهم من خلال دخلهم في الخارج، ولكن قد لا يتحقق ذلك لكثيرين، وللغربة معاناتها، ومن الجائز التشكيك بأن حوافز بعض هذا الخارج لا تخلو من هدف تفريغ بلدنا من شبابه وخبراته.
واقع الحال هذا يظهر مدى الحاجة للإعداد المشترك (جهات رسمية وأسر) لفرصة العمل المفترض أن تكون مضمونه عقب التخرج، لكن المؤسف أن هذا الإعداد يشهد تراجعاً ملحوظاً من الجهات الرسمية، لأن جبهات العمل الحكومية القديمة لا تحتاج إلا تعيين أعداد قليلة بدلاً من المتقاعدين والمتوفين وتاركي العمل لسبب أو لآخر، وجبهات العمل الحكومية الجديدة قليلة جداً، كما أن الإعداد الفردي والأسري والحكومي لفرصة العمل في القطاع الأهلي والخاص يشهد تراجعاً أيضاً، بسبب افتقاد الكثير من مقومات هذا الإعداد أكان فيما يخصّ فرصة العمل في القطاع الزراعي بسبب ارتفاع كلفة السماد وندرته وارتفاع أجور العمل والنقل وغلاء البذور والشتول والمبيدات، وضعف تصنيع أو تصدير الفائض حال وجوده، ونقص وغلاء علف الثروة الحيوانية والمحروقات اللازمة وارتفاع أسعار آليات الاستصلاح والحراثة، ما تسبّب في بوار الكثير من الحيازات جزئياً أو كلياً، وضعف نمو الثروة الحيوانية، فكثير من الجيل الشاب لم يعد يملك قيمة بقرة لتربيتها، ولا يملك المبلغ اللازم لبناء حظيرة تؤويها، وقد لا يملك نفقات خدمتها حتى تحمل وتلد، والمؤسف أن أغلب أنشطة القطاع العام والتعاوني في الميدان الزراعي وتربية الثروة الحيوانية قد باءت بالفشل، والحال نفسها فيما يخصّ فرصة العمل في القطاع الحرفي والصناعي، فتقنين الوقود والكهرباء أضعف من تجديد وتحديث القطاع العام الإنتاجي، وحدّ كثيراً من أنشطة المنشآت العائدة للقطاع الأهلي والخاص، وأضعف همّة الراغبين في إحداث منشآت جديدة، فالتأسيس للفرصة يتطلب وجود مبلغ كبير لدى راغبها حال تبيّن جدواها الاقتصادية، وكثيرون من جيل الشباب الحالي لا يملكون المبلغ المطلوب، وأكثر ما تكرس ذلك في المناطق التي اجتاحها الإرهاب وشرد أهلها، فالعملية الإنتاجية شبه متوقفة في بعض هذه المناطق الكبيرة.
فرصة العمل حاجة توازي فرصة التعليم، لا بل تكاد تكون أكثر أهمية، ومن الخطأ الجسيم عدم وجود اهتمامات حكومية وشعبية بها، تواكب اهتماماتها بفرصة التعليم؟!.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية