لا أحد قادراً على استبدال إمدادات الغاز الروسي
هيفاء علي
علّق الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان على قضية توسع الناتو، مستحضراً ما قاله ذات مرة ونستون تشرشل ساخراً: “الأمريكيون سيفعلون دائماً الشيء الصحيح، ولكن فقط بعد أن يستنفدوا جميع الاحتمالات الأخرى”. هذه الاندفاعة من الفكاهة البريطانية الجافة تذهب مباشرة إلى قلب الأزمة الحالية في أوكرانيا. وبحسب المراقبين، لو كان الغرب قد استجاب لنصيحة أحد رجال الدولة البارزين فيما يتعلّق بالتوسع العسكري المتهور تجاه روسيا، لكان العالم اليوم أكثر سلاماً وأكثر قابلية للتنبؤ. إذ لا يدرك الكثيرون حتى توضيح “كينان” لسياسة “الاحتواء”، وهو الذي شدّد على أنه يقصد الاحتواء الأيديولوجي، بينما تريد الولايات المتحدة احتواءاً عسكرياً. في النهاية، تمّ تجاهل كينان وتجربته تماماً، وقرر الجيل الجديد من “الدبلوماسيين” الأمريكيين -المتعلمين غير المتعلمين والجاهلين لكنهم فخورون بالاستثنائية الأمريكية وبتأثير جماعات الضغط العرقية والدينية في واشنطن- أنهم على دراية أفضل. ولكن ليست هذه هي الحال ونتائج هذه الغطرسة الجاهلة التي يراها ويشهد عليها العالم أجمع اليوم.
مع عدم نسيان أن “كينان” لم يكن دائماً خيراً إلى هذا الحدّ، لكنه على الأقل كان يعرف الكثير عن روسيا أكثر من وزارة الخارجية الحديثة، التي تكاد تكون معرفتها بالوضع في هذا الصدد غير موجودة. وعليه، فإن “النتائج” الأولى للعقوبات ضد روسيا معروفة بالفعل، وهي أنه لا يمكن لأي دولة استبدال إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بالغاز الطبيعي المسال في حالة انقطاعه، والروس يعرفون ذلك. في حين أشار ديمتري مارينتشينكو ، مدير الموارد الطبيعية والسلع في “فيتش” لوسائل إعلام روسية إلى أنه “لن تتمكن سوق النفط من استبدال النفط الروسي، الذي يمثل 10٪ من المعروض العالمي”.
لذلك قد يؤدي تصعيد الأزمة في أوكرانيا إلى دفع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل، وفقاً لخبير “فيتش”. وبالفعل في وقت مبكر من الأسبوع الحالي، ارتفعت أسعار النفط إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل، مع وصول خام برنت إلى أعلى مستوى جديد في سبع سنوات عند 99 دولاراً قبل أن يتراجع إلى 97 دولاراً للبرميل.
في خبر غير ذي صلة، فقد توصلت روسيا وأذربيجان إلى اتفاق تاريخي حول العلاقات المشتركة في مؤشر على توطيد العلاقات مع الجوار الروسي، ليس فقط كأسواق بل وأيضاً كبيئة اقتصادية وسياسية آمنة، وفي الوقت نفسه سحبت روسيا دبلوماسيتها من كييف. وبمعنى أدق، وصل القرف الروسي من الهيستيريا الغربية إلى أقصى درجة. ولكي يفهم الآخرون ماهية أوكرانيا الحديثة، يمكن اعتبارها مركزاً لحركة “ماهنو”، وهو تعبير ملطف عن انتشار الفوضى والولاءات المتغيّرة والسرقة، كما هي الحال في أوكرانيا اليوم.