ماذا يخفي منجم الذهب الياباني؟
ترجمة: هناء شروف
أذهل منجم الذهب “سادو كنزان” الواقع في محافظة نيجاتا في اليابان الزوار على نطاق واسع، فهو عبارة عن مجموعة من الآثار التاريخية التي تصوّر 400 عام من تاريخ مناجم الذهب والفضة في سادو، ويعدّ أفضل مصنع لمعالجة الذهب في آسيا وأول نفق عمودي على النمط الغربي في اليابان.
يجذب هذا الموقع السياحي، الذي أوصت الحكومة اليابانية رسمياً بإدراجه في قائمة التراث العالمي لليونسكو، عشاق التاريخ في الوهلة الأولى، لكنه في الوقت نفسه يخفي تاريخاً مظلماً لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المتعلقة بالعمل الجبري الكوري خلال الحرب العالمية الثانية.
سادو كنزان، الذي تمّ اكتشافه واستخراجه في عام 1601 كان أكبر منجم للذهب والفضة في فترة إيدو طوال القرن السابع عشر. وبحلول نهاية القرن الثامن عشر تمّ اختطاف العديد من السكان غير المسجلين في مدن مثل إيدو وأوساكا من قبل حكومة توكوغاوا للعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتجفيف وتعدين الأنفاق الممتدة تحت الأرض. كما هو معروف على نطاق واسع للسكان المحليين كان الأمر الصادر عن مناجم سادو بمثابة حكم بالإعدام.
خلال الحرب العالمية الثانية تمّ استخدام هذا الكنز الطبيعي لتمويل غزو اليابان لجيرانها الآسيويين. حيث أجبر أكثر من 2000 كوري على العمل في المنجم عندما كانت شبه الجزيرة الكورية تحت الحكم الاستعماري الياباني. تشير الإحصاءات التي استشهدت بها صحيفة “ذا ديبلومات” إلى أن نحو 70 بالمائة من الكوريين الذين أجبروا على العمل في المناجم اليابانية قاموا بمحاولات مروعة للهروب بسبب الظروف التي لا تطاق. كانت ذكرياتهم مليئة بالكدح اللامتناهي في الأنفاق المظلمة بلا أشعة الشمس ولا أمل في الحرية.
وفي موقع سادو كنزان اليوم يتمّ عرض دمى وروبوتات بالحجم الكامل لتقديم أنشطة عمال المناجم، لكن ما فشلت هذه الدمى والروبوتات في إظهاره هو كيف أُجبر العمال الكوريون اليائسون على التخلي عن عائلاتهم والتضحية بحياتهم.
منذ عام 2005 قامت محافظتا نيجاتا وسادو بترقية موقع سادو كنزان كمشروع لليونسكو. وقال مسؤولون في وكالة الشؤون الثقافية اليابانية إن الموقع قدم مثالاً نادراً لكيفية تحسين تقنية التعدين اليدوي التقليدية، حيث بدأ إدخال الآلات في مناجم أخرى حول العالم حتى القرن التاسع عشر. من خلال قصر الإطار الزمني لتاريخ الموقع عن عمد على فترة إيدو تتستر الحكومة اليابانية على الجانب المظلم للمنجم.
في عام 2015 تمّ تسجيل “هاشيما” في قائمة اليونسكو، حيث أجبر العديد من الكوريين على العمل في مناجم الفحم، كموقع للتراث العالمي لليونسكو. في ذلك الوقت وعدت اليابان بعرض تاريخ التعبئة القسرية للعمال واتخاذ الإجراءات لتكريم الضحايا. وبعد التسجيل في قائمة التراث العالمي عرض مركز معلومات التراث الصناعي في طوكيو بدلاً من ذلك وثائق توضح كيفية معاملة عمال المناجم بشكل جيد وتجاهل معاناتهم. في تموز الماضي أصدرت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو قراراً بالإجماع يعبّر عن مخاوف بشأن تعهد اليابان الفاشل بالكشف عن حقائق حول استخدام العمالة الكورية القسرية في هاشيما خلال الحرب العالمية الثانية.
هناك تحريف بالحقائق وتجاهل للذكريات المؤلمة حول استخدام العمالة القسرية في المناجم من أجل تسجيل البعض منها كمواقع للتراث العالمي لليونسكو. سادو كينزان هي أحدث محاولة من قبل الحكومة اليابانية لتبييض ماضيها من خلال المواقع التاريخية المنسقة بعناية.
لكن الطريقة الوحيدة أمام اليابان للنجاح في الحصول على قائمة التراث العالمي هي التوبة بجدية عن تاريخ الحرب، وتقديم الاعتذار الصادق لجيرانها الآسيويين عن جرائمها وأعمالها الوحشية في الماضي أثناء الحرب العالمية الثانية.