الحرب تفعل فعلها في الأسرة السورية .. جنوح الأحداث التحدي الأخطر!
ذكاء أسعد
ندرك جميعا حجم الأضرار التي خلفتها الحرب وتبعاتها وانعكاساتها على كل الصعد، وهذا يُحتم العمل بجدية على تحجيم تداعياتها وإزالة آثارها الكارثية. وكما قيل فإن إزالة آثار الحرب أصعب من الحرب ذاتها. ولعل أبرز الآثار الاجتماعية للحرب ازدياد حالات جنوح الأطفال “الأحداث”، أي من هم تحت سن الـ 18 عاماً، فهذه الظاهرة باتت تهدد أمن الأسرة السورية، خصوصا بعد لحظ عدد لا يستهان به من هذه السلوكيات غير السوية وازديادها بشكل، فهل يمكننا اعتبار الحدث ضحية ويلزم إصلاحه وتهذيبه أم يمكن وصفه بالخطير؟
الحدث ضحية
يؤكد المحامي الأستاذ منيب هائل اليوسفي في تصريح خاص لـ “البعث” ، أن ازدياد حالات جنوح الأحداث في الآونة الأخيرة كان نتيجة عوامل متعددة، كتفكك الأسرة وغياب الأب المعنوي إضافة إلى دور المدرسة الذي لم يعد للتربية كما عهدناه سابقا ، والأمر الأهم هو دخول التكنولوجيا إلى عالمنا وإتاحتها للجميع دون استئذان أو رقابة فازدادت الجرائم الإلكترونية و السرقات والنشل وتعاطي المخدرات .. إلخ. واعتبر اليوسفي أن الحدث ضحية الأسرة والبيئة التي ترعرع بها، ولا يمكننا اعتباره “مجرما” فهو نتيجة وليس سببا، لذلك لابد من توعيته وتنويره و اتخاذ كافة التدابير الإصلاحية والاحترازية والتركيز على التعليم والنشء وإعادة النظر بالمناهج التعليمية ووضع مقررات مختصة بالتكنولوجيا وعالم الإنترنت للعمل على توعية الطفل خاصة في مرحلة المراهقة وتعليمه آلية استخدامها ومعرفة مخاطر إدمانها.
تشريعات جزائية
ويرى العديد من الحقوقيين أن ازدياد ظاهرة جنوح الأحداث في العالم دفع الدول إلى توجيه جل اهتمامها نحو دراسة هذه المشكلة لإيجاد حلول مناسبة للقضاء عليها أو الحد منها ما أمكن ، ووضعت للأحداث تشريعات جزائية خاصة في مختلف الدول بغية تأمين الحماية والرعاية القضائية لهم عن طريق دراسة حالاتهم وعلاجها.
وهنا، بين المحامي الأستاذ ضرار ديوب أنه في سورية أفرد المشرع أحكاما خاصة بالأحداث الجانحين حيث كانت بداية موزعة بين قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 112 لعام 1950 ثم تم جمعهما في قانون الأحداث الجانحين رقم 58 لعام 1953 والذي استبدل بالقانون رقم 18 لعام 1974 المعدل بالقانونين رقم 51 لعام 1979 ورقم 52 لعام 2003 ، وأكد ديوب ، أن هذه التعديلات التشريعية تعكس إرادة المشرع السوري في تجسيد سياسة جزائية هدفها تقويم الأحداث الجانحين عن طريق إصلاحهم بإعادة تأهيلهم تربويا وإجتماعيا ومهنيا .
الأسرة هي الأهم
تعتبر الأسرة هي المنشئ الأول للطفل ولها الدور الأكبر في سلوكياته وتنشئته ويبدو ذلك في طريقة التعامل معه عن طريق منحه حيزا لا بأس به من التفكير والاختيار ، ولا يمكننا أن نتجاهل هنا عدم استقرار الأسرة وتفككها فوجود الطفل في مناخ أسري غير مستقر قد يكون أحد الأسباب التي تؤدي للانحراف، هنا تؤكد الدكتورة جمانة خزام – اختصاص علم نفس – أن أية تغييرات تطرأ على الأسرة تحدث أثراً في شخصية الطفل وقد تتسبب في تغيير مسار نموه النفسي والاجتماعي. وعلى سبيل المثال عند وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو الخلافات المتكررة بين الزوجين والطلاق يفقد الطفل الشعور بالأمان ويؤثر هذا سلبا على صحته النفسية فيخلق لدى بعض الأطفال شعورا بالسخط والغضب وبالتالي يصبح أكثر قابلية للانخراط في أعمال مخالفة للقانون تعبيرا عن هذا الغضب ولرفضه واقع أسري أرغم على معايشته.
وتضيف الدكتورة خزام : إن غياب الرقابة الأسرية وإهمال الأهل لشؤون الطفل وانشغالهم عنه جسديا وعاطفيا تعد من الأسباب الرئيسية لجنوح الأحداث وكذلك نبذ الطفل وعدم تقبله كما هو وتقديره واحترامه، من الممكن أن يكون سببا في لجوءه إلى رفاق السوء والتورط معهم بأعمال مخالفة للقانون لكسب المزيد من تقبلهم له ونيل إعجابهم ورضاهم وهذا يُشبع حاجته إلى التقبل للانحراف.
وللمدرسة دور كبير
وعن دور المدرسة في حماية وتوعية الأحداث تؤكد الدكتورة خزام أن المدرسة تلعب دوراً هاماً فهي البيئة الثانية بعد المنزل، فالطفل يجالس زملاءه ومعلميه بشكل يومي ولهؤلاء دور كبير ومهم في اكتسابه للصفات الحميدة كانت أم سيئة وفي هذا الخصوص تُوضح أن الرقابة المدرسية على الطفل لها دور كبير في سلوكياته لكن المؤسف – والكلام للدكتورة خزام – هو عدم قدرة المدارس بكوادرها كافة على القيام بهذا الدور بشكل جيد نظرا لاكتظاظها بالطلاب والعدد الكبير داخل الشعب الصفية.
مفرزات الأزمة
لسنا بصدد تبرير السلوك غير السوي لكن لا شك أن الفقر والظروف المعيشية السيئة الناجمة عن الوضع الاقتصادي المتردي بسبب الحرب أحد أسباب ازدياد عدد الأحداث الجانحين منها اللجوء إلى التسول أو السرقة لتلبية احتياجاتهم واحتياجات ذويهم من الطعام والشراب واللباس، وربما يكون الأمر مغايرا تماما، هنا اعتبرت الدكتورة خزام أن الوضع المعيشي المريح وتوفر الأموال بين يدي الأطفال خاصة المراهقين قد يؤدي لارتكابهم جرائم من نوع آخر كتعاطي المخدرات والكحول.
سلوك مرضي
في بعض الأحيان تكون الدوافع الأساسية لجنوح الأحداث مرتبطة بسلوك مرضي نفسي، وذلك بحسب الطبيب النفسي عماد الدين حسن، مشيراً إلى أن مرض اضطراب السلوك يؤدي إلى ارتكاب الطفل لجرائم كبيرة كالقتل أو افتعال الحرائق وهو غير مدرك لما يفعل وهنا يحتاج للمتابعة عن طريق العلاج السلوكي والأخصائيين الاجتماعيين لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي له، إضافة إلى العلاج بالأدوية للوقاية من تطور مرض ” اضطراب السلوك” إلى مرض ” اضطراب الشخصية “، الأكثر خطورة والذي يزيد من انحراف الطفل.
رقابة مجتمعية
أخيراً .. إن الحد من ظاهرة جنوح الأحداث والوقاية من تفاقمها يتطلب تضافر الجهود بين كافة فئات المجتمع بدءا من الأسرة و المدرسة من خلال الرعاية المناسبة للطفل والرقابة على سلوكه وانتهاء بوسائل الإعلام ومؤسسات حماية الطفل ودور العبادة ومراكز الأنشطة ولابد أيضا من التركيز على ضرورة قيام مراكز تأهيل الأحداث الجانحين بدورها الحقيقي كإصلاح وتقويم سلوك الطفل الجانح وألا تقتصر على احتجاز هؤلاء الأطفال لمدة زمنية معينة يحددها الحكم القضائي وذلك بغية خروج الحدث الجانح مكتسبا مهارات حياتية تؤهله للانخراط بالمجتمع من جديد .