بغياب مؤلّفها.. إشهار موسوعة الشّعر الفلسطيني ليوسف حطيني في دمشق
في حديثه المباشر عبر الإنترنت، شكر الأديب يوسف حطيني المحتفلين بإشهار موسوعته عن الشّعر الفلسطيني في دمشق، يقول: سعيد بصدور هذه الموسوعة في دمشق، لأنّ فيها قرّاء وأصدقاء حميمين، وسعيد بأن يكون لي جناح في دمشق، وسيكون لي قريباً جناح آخر في عكا حيث ستصدر موسوعتي عن الرّواية الفلسطينية، فأي طائر سعيد أنا!!، مضيفاً: أخذ منّي هذا المشروع عمل سنوات طويلة فقد بدأت به منذ عام 2005 ولم يكتمل حتّى عام 2011، وعدّلته ثلاث مرّات وكان التّعديل متعباً لأنّه بحاجة لإعادة الدّراسة والفهرسة ومتابعة ما هو جديد.
وفي قراءته التي قدّمها خلال حفل التّوقيع والإشهار الذي أقيم في المركز الثقافي العربي بـ”أبو رمانة”، قال النّاقد عمر جمعة إنّ الموسوعة كتبت وفق منهج علمي متقن ودقيق ومضبوط بمصادره ومراجعه ودراسة موضوعاته، مبيناً: يبني الأديب والنّاقد الدّكتور يوسف حطيني فصول وأبواب كتابه الشّامل في جهد حثيث دؤوب للتّأريخ لواحد من فنون الإبداع والكتابة التي ميّزت المشهد الثّقافي الفلسطيني، أي الشّعر، الذي كان من بين أهم فنون التّعبير عن الشّخصية الفلسطينية وإثبات هويتها وكينونتها وانتمائها إلى هذه البقعة المقدّسة، ولاسيّما بعد عام 1948 وأحداث النّكبة التي كان في طليعة أهدافها محو تلك الشّخصية وابتلاع المكان الذي تنتمي إليه جغرافياً وحضارياً، بل واقتلاع الشعب العربي الفلسطيني وإلغاء وجوده، وعلى هذا فإنّ الموسوعة تعدّ كتاباً ومشروعاً رائداً في تثبيت هذه الهوية والدّفاع عن الشخصية الفلسطينية والوطن الذي تنتمي إليه، وفي الوقت نفسه تبيان أهمية الشّعر كواحد من الحوامل الجمالية والمعرفية التي أنتجها هذا الشّعب لتكريس وجوده وقيمه التي آمن بها وبذل الأرواح والدّماء لصون هذا الوجود، كما يعدّ استكمالاً لما بدأه كلّ من الروائي أحمد عمر شاهين في “موسوعة كتّاب فلسطين في القرن العشرين”، والأديب والشّاعر طلعت سقيرق في “دليل كتّاب فلسطين”، و”الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني”، والكاتبة والنّاقدة سلمى الخضراء الجيوسي في “موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر” والشاعر محمد حلمي الريشة “معجم شعراء فلسطين” و”شعراء فلسطين في نصف قرن (1950-2000)”، والباحث محمد عمر حمادة في “موسوعة أعلام فلسطين”.
ويوضّح جمعة مضمون الموسوعة بالقول: أحصى حطيني وجمع أكثر من ثلاثة آلاف وستمائة وثمانٍ وخمسين مجموعة شعرية، تمّ إصدارها في فلسطين والشّتات حتى الشّهر الأوّل من عام 2021، درس الأغلب الأعم منها بما يلبّي الموضوعات والأطروحات التي تناولها في واحد وعشرين فصلاً تأريخاً ونقداً ومقاربة ومراجعة، وتناول الظواهر الموضوعية والفنّية العامّة في الشّعر الفلسطيني والاستشهاد لتلك الظّواهر بمختلف النّصوص التي أنتجها الشّعراء الفلسطينيون، مشهورين ومغمورين، مخضرمين وشباباً، محدثين وتقليديين، وذلك من أجل إعطاء أوسع صورة عن الشّعر الفلسطيني.
ولد يوسف حطيني في دمشق ودرس فيها ونال جميع شهادته من مدارسها وجامعاتها، فكان له من الأصدقاء والمعارف الكثير، ويحدّثنا الأديب حسن حميد عن علاقته القديمة به، يقول: يوسف حطيني كان في بداية العشرينيات صاحب طموح ومضى في الجامعة بشكلٍ سهلٍ ولطيفٍ لكي يحوز الشّهادات وكانت شهادة الماجستير عن سميرة عزّام القاصّة المظلومة ومن ثمّ ذهب إلى شأن آخر، لقد أذهلني في موسوعته هذه من حيث الإحاطة والشّمولية التي اشتغل عليها، إنّه لم يجمع دواوين للشّعراء الفلسطينيين بل قدّم نقداً حقيقياً جميلاً ورائعاً وعرفنا كيف يتصدّى أصحاب الهمم الثّقيلة للشّؤون الثّقيلة، ولو طُبع الكتاب طباعةً عاديةً لكان في ألف صفحة وأزيد.. هناك جهد كبير بذله الدّكتور والكتاب طموح يقدّم قراءات نقدية تبيّن آثار حيوات الشّعراء أهل هذا القصيد وقراءات تجلو قصيدهم وتبيّن آثار حيواتهم داخل القصيد وآثار الزّمن التي دمغت مراحل الشّعر الفلسطيني بصباغها وتتلبث عن جماليات القصيد والأحلام التي راودت الشّعراء لكي يتخلّوا عن المباشرة والوثائقية والتّسجيلية والمناسباتية وينظروا إلى الشّعر بوصفه جمالاً لا يخلو من الحزن والتّشوّف والتّنبيه والتّحفيز والتّحريض، لقد صمّمه ليبقى مرجعاً للقول النّقدي الوازن للقصيد وليبقى مرآةً للشّعراء الفلسطينيين الأحياء ليروا ما بقي من قصيدهم في ظلّ الحرائق التي طالت الشّعر الفلسطيني.
وكما كلّ عمل توثيقي يحتاج الدّقة في المعلومة من حيث الأسماء والتّواريخ والعنوانين، فإنّ الموسوعة لم تخل من بعض الأغلاط التي يشير إليها حميد، يوضّح: هناك أغلاط وقعت هنا وهناك داخل صفحات الكتاب لها علاقة بالتّواريخ والأحداث والمعارك مثلاً يقول معركة الكرامة وقعت في عام 1970 لكنّها وقعت في عام 1968 كذلك الأغلاط الواردة في عناوين بعض الدّواوين، وهذه أغلاط تحدث لأنّ هكذا كتاب في العادة تقوم عليه مؤسسات، وهي مسوّغة أمام هذا الجهد الكبير فالهوامش لوحدها من الممكن أن تصير كتباً.
الموسوعة صادرة عن “دار توتول للطّباعة والنّشر” لصاحبها الأديب محمد الطّاهر، وحول أهمية هذه الموسوعة يقول: يوسف حطيني متنوّع المناهل وهو كتلةٌ من الأفكار والثّقافة، ونحن كدار نشرٍ سعداء بنشر عمل لقامةٍ أدبيةٍ سامقة مثله، لقد اعتنى بهذه الموسوعة بشكلٍ لافتٍ وفيها يجد القارئ ما لا يجده في مخطوطات أخرى.
الشّاعرة سمر تغلبي كانت في صورة آخر تعديل للموسوعة ومن ثمّ تابعت أمورها في دار النّشر وها هي اليوم تقدّمها لجمهور حفل التّوقيع، وتحدّثنا عن أهمية العمل في هكذا زمن، تقول: العمل الموسوعي في الوقت الحاضر تحوّل إلى عملٍ تجميعيٍّ وتسويقي.. إنّها موسوعة توثّق لأدب ووطن سواء في الأراضي المحتلة أم في الشّتات.. ومن المهمّ جداً أن تأخذ النّاحية التّوثيقية بعداً واسعاً عن الأدباء والمفكرين لكي نمنع التّشويه الحاصل من قبل العدوّ الصّهيوني.
نجوى صليبه