كفٌ على كفٍ
علي بلال قاسم
لطالما اتجهت الحكومات خلال الأزمات لاعتناق سياسة التقشف تحت عناوين ترشيد الاستهلاك على مستوى المؤسسات، تجنباً للوقوع في شر العوز المدقع الذي لا تحمد عقباه، فبسط اليد كل البسط في هذه الظروف العجاف يعد ضرباً من الجور بحق المال العام ونسب الإيرادات على قلتها في زمن الحرب الاقتصادية الضروس التي نعيشها، لاسيما أنه ورغم السنوات العشر لا يزال التحدي الذي لم تستطع كبريات الدول الاقتصادية إليه سبيلاً، ألا وهو استمرار الصرفيات ولو بحدودها الترشيدية.
وليس خفياً أن ثمة جهات يتطلب عملها تحويلات مالية مركزية لا تقبل التأجيل ليس الهدف منها الرواتب والأجور التي تعد عند بعض المؤسسات الصرفيات الوحيدة واليتيمة في ظل تحفظ وزارة المالية المستدام على أي إنفاق في غير محله، بل المسألة مرتبطة بخدمات ترتبط مباشرة بصلب الحياة اليومية للناس، وهنا مربط الفرس الذي تشتغل عليه الحكومة وقوامه تفضيل الأولويات على أي كماليات أو شؤون تحتمل الترحيل إلى الأمام.
ومع إدراك أصحاب القرار ومعهم المجتمع بكافة شرائحه أن سلم الأولويات متفق على درجاته، فإن تأمين مستلزمات الحياة الأساسية من مواد غذائية له الصدارة في الوقت الذي لا يجد البعض فرقاً بين هذا المنتج أو تلك الخدمة ولو كانت صغيرة، فتراكم المؤجلات قد يوصل إلى مستوى لا يمكن من بعده الحل نظراً للتعقيد وتعاظم الفاتورة التي ستدفع لاحقاً.
هنا، يمكن القول أن الدخول في تفاصيل الأداء الإنتاجي والخدمي يحتم على المعنيين الوصول إلى مرحلة “التباخل” المطلوب، ولكن هذا الفعل يتنافى مع متطلبات التوظيف التي تستلزم نفقات مباشرة لزوم الصيانة والتشغيل لبعض المعدات والتجهيزات ليس لشركة أو معمل منتج، بل لمستوى بلدية صغيرة يشكو مجلسها المحلي من فقر حال، لاسيما أن بعض السلطات والإدارات المعنية أوعزت بعدم صرف أي مبلغ ولو كان صغيراً إلا على الرواتب، وما عدا ذلك يمكن تأجيله وهذا ما لا يقبل التطبيق في ظل تعطل بعض الشبكات وأنابيب المياه والصرف وحتى خطوط الهاتف والكهرباء. وهنا يضرب بعض المعنيين كفا بكف بحثاً عن تمويل ما لصيانة سريعة لخدمات من هذا النوع أو ذاك ومع الندرة لا مجال إلا لما يسمى بالعمل الشعبي أي تبرع الأهالي ومساهمتهم بمبالغ تكفي إجراء هذا العمل أو صيانة هذا الجانب الخدمي.
بالعموم هناك دراية ومراعاة للظروف ولكن أن تصل الأمور إلى درجة خلو صناديق بعض الجهات الخدمية من أي مبالغ يعد تطوراً مؤرقاً، وهذا ما يقر به الكثير من المدراء ورؤساء الوحدات الإدارية، اللهم إلا من إعانات أو منح تقدم لمشاريع محددة ومخططة ومعروضة سلفاً…