“طقطقة” في شوارع طرطوس وأحيائها تبحث عن مستمع!
طرطوس- محمد محمود
“طقطقة” متقطعة تسمع في أحياء طرطوس وشوارعها بين الحين والآخر، مصدرها أطفال يعبرون الشارع أو يتجمعون قريباً من مدارسهم بعد انصرافهم منها. تتراقص الكرات المتدلية من خيوط في أيديهم لتصدر ضوضاءَ تعلو على صوت أحاديثهم وضحكاتهم في الطريق، وكأنهم بحركاتهم تلك يعلنون عن وجودهم، غير آبهين أو معنيين بمن تزعجه أصوات تلك الكرات المتصادمة، ومن تسبّب الأذى لهم، أو من يروق له الاستمتاع بمراقبتهم وهم يتفنّنون بلعبتهم البسيطة التي تظهر كل فترة، وتنتشر بكثرة ثم تختفي، والجدير بالتساؤل: لماذا تنتشر تلك الألعاب، وما هي الرسالة التي يحاول الأطفال إيصالها عبر تلك اللعبة بتفاعلهم معها حين تظهر؟!.
تحدي الكرات!
اعتراض بعض الأطفال لسؤالهم عن اللعبة المسلية وتفاصيلها لم يلقَ أي ممانعة منهم، يشرح أحدهم بجديّة تفاصيل لعبته البسيطة الممتعة، ويقول مختصراً إنها تحدٍّ بينه وبين أصدقائه، الفائز فيه من يستمر بجعل الكرتين تتصادمان بشكل متواصل ودون توقف لأطول فترة ممكنة، فأول انقطاع في “الطقطقة” يعني الخسارة الحتمية؛ يستطيع ذاك جعل الكرتين تتصادمان بصورة متواصلة لأكثر من ربع ساعة، ويشكو بعض الأوجاع في إصبعه وعضلات يده نتيجة مواصلة اللعب فيها لفترات طويلة في بعض الأوقات، ولا يبالي الأطفال الذين يدرسون بمرحلة التعليم الأساسي بكل الضجيج الذي تصدره لعبتهم، ويقول طفل آخر إنه اشتراها لأنه يشعر في بعض الأحيان بالوحدة والملل ويعتبرها من الأشياء المسلية التي تكسر لحظات وحدته وملله؛ ويعبّر بكلمات بسيطة “كل ما ضوج بطقطق”، ثم يضيف: سعر هذه اللعبة مقبول وبإمكاننا شراءها، كما أن كلّ الأولاد لديهم منها فلم أنا لا.
الجدير ذكره أن تلك اللعبة على بساطتها تتطلب تركيزاً عالياً وتدريباً ومهارة للنجاح في مزامنة الكرات وجعلها تصطدم بصورة مستمرة. أكثر من محاولة لتجريب اللعبة بعد استعارتها من أحد الطفلين وترحيبهما بالفكرة باءت بالفشل والخسارة لضعف الخبرة وقلة التدريب.
سلّم تسلم
الملفت أن طرقاً أخرى ابتدعها الأطفال للتسلية بلعبتهم هذه، فأطفال آخرون شاهدناهم كانوا يفترشون الرصيف المجاور يمسك أحدهم بخيط اللعبة ويحركه يمنة ويسرة لتطرق كرته بشكل متزامن على الرصيف، في حين يقف صبي آخر ويحصي عدد الطرقات، وما أن يخفق أو يتوقف حتى يأتي دور صبي آخر وهكذا.
في المقابل يبدو أن شعبية هذه اللعبة التي اكتسبتها في أوساط الأطفال لم يكن مُرحباً بها على الإطلاق في عالم الكبار، يعاني سكان كثيرون في الأحياء الشعبية من صداع مستمر وتوتر في كل مرة يسمعون فيها تلك الطقطة، كما يعبّر آخرون تحدثنا إليهم عن استيائهم من انتشار هذه الظاهرة، أما مواقع التواصل الاجتماعي فلم تخلُ هي الأخرى من تداول انتشار هذه اللعبة والحديث عنها، وآخر ما تمّ تداوله خلاف بين صاحب منزل ودكان وشجار بسبب بيع هذه الألعاب للأطفال.
تجارة وسوق
ودائماً كما في كلّ لعبة تدرج وتنتشر هناك من يجدُ في رواجها فرصة لجني الأرباح وتحصيل المكاسب. على أحد الرفوف في دكان أبو غالب صاحب إحدى البقاليات في طرطوس تتوزع أنواع وألوان مختلفة من هذه الكرات، فسعر هذه اللعبة الرخيص نسبياً للأطفال، إضافة إلى حبهم للتقليد، جعلها مفضلة للكثير منهم مقارنة مع ألعاب أخرى كثيرة معروضة في دكانه. وعن أسباب شرائه لكميات كبيرة من هذه الكرات يكمل: اليوم الموضة لهذه اللعبة، لذا من الضروري أن تكون موجودة على الرف، وحين تظهر لعبة أخرى لن أتردد على الإطلاق في عرضها، فبحسب السوق نسوق!!.
فقاعة صابون
بخلاف ظهور بعض الألعاب الأخرى التي تأخذ طابع الاستمرارية بين الأطفال، يبدو أن ظهور لعبة الطقطيقات، بحسب بعض آراء المختصين التي سمعناها، يأتي تعبيراً عن حالة مزاجية عند الأطفال وكأنهم بحبهم لإصدار هذا الضجيج يحاولون إيصال أصواتهم إلى عالم الكبار لكن بطريقة مختلفة.
لكن وبعكس هذه الآراء يرى الدكتور مهند إبراهيم اختصاصي علم النفس الطفل والمدّرس في كلية التربية بجامعة البعث أن انتشار أي لعبة بأيدي الأطفال لا يعدو كونه فقاعة صابون لا تلبث أن تختفي وسببها التقليد لا أكثر.
ويشرح إبراهيم أن اللعب بشكل عام تنفيس عن حالة انفعالية وعن طاقة زائدة يفرغها الطفل عن طريق اللعب، فالطفل يكتشف العالم من خلال المحاكاة والتقليد وليس من الضرورة أن يكون ظهور لعبة ما تعبيراً عن حالة نفسية معينة، والدليل هو زوال هذه اللعبة بعد فترة من الزمن واستبدالها بأخرى. وتقول: ربما يكون الترويج لهذه الألعاب وعرضها إضافة إلى حب التقليد وعدواه هو أبرز العوامل التي تؤدي لانتشار ألعاب الأطفال، تماماً بنفس الطريقة التي ترافق انتشار الإشاعة وظهورها.
مسؤولية اجتماعية
يؤكد إبراهيم على المسؤولية الاجتماعية التي يجب الالتزام بها تجاه الأطفال، ويرى أن الطفل يحتاج وهو في مراحل نموه الأولى إلى التوجيه المستمر والحوار من قبل الأهل وفي مدرسته، واختيار المناسب له من الألعاب والمفيد له منها كتلك الألعاب التي تنمي المهارات العقلية والحسية لدى الطفل ولا تؤدي إلى ضرر أو إزعاج للآخرين. ويضيف: الحوار مع الطفل لاختيار ألعابه وإقناعه بها يجب أن يكون الأسلوب المتبع، لأن المعاندة أو فرض بعض الألعاب على الأطفال وحرمانهم من بعضها الآخر قد يولّد ردة فعل عكسية لديهم ويدفعهم باتجاه الألعاب المؤذية، على مبدأ أن كل ممنوع مرغوب. ويختم أنه وفي جميع الحالات يجب ألا يغفل الأهل أو المدرسة عن هذا الموضوع وإيلائه المزيد من المتابعة والاهتمام، لأن بعض هذه الألعاب مصدر قلق وإزعاج للطفل وللآخرين مثل هذه “الطقطيقات” التي انتشرت مؤخراً!!.