يونس السيد في صالة تجليات
تعرض في صالة (تجليات) للفنون الجميلة بدمشق أعمال الفنان التشكيلي الشاب يونس السيد، وقد افتتحت وزيرة الثقافة لبانة مشوح هذا المعرض الفردي يوم الثلاثاء الماضي بعنوان “ليل طويل” وتضمن مجموعة من اللوحات تجاوزت الـ 20 عملاً من القياس المتوسط وغلب عليها رسم الحالات الإنسانية التعبيرية والإيحائية التي لا تخلو من تأليف الموديل وإشراكه بتداخلات جسدية أو قماشية وإضافة عناصر زخرفية أو نباتية مع المحافظة على قسم كبير من سطح اللوحة كمتنفس للعنصر الأساسي فيها دون تركه كمساحة ملونة مجانية، بل أضاف توشيحات من ضربات الفرشاة أو الأداة الحاملة للون لتحدث أثراً خفيفاً في السطح يضيف ويعزز من قيمة الخلفية.
وقد يشتبك أسلوب الفنان مع العديد من التجارب التعبيرية المعروفة كما يراها البعض ويعتبرها قريبة من أسلوب بعض التجارب الرائدة في هذا الاتجاه، ولا مجال للمقارنة بقدر صوابية اقتفاء تأثير هذه المدارس الفنية وإنه من الأهمية بمكان استكشاف حقيقة هذه الموهبة الشابة وتعزيز حضورها كواحدة من المواهب التي تعد بالكثير لما تملكه من خبرة وحواس جميلة قادرة على إنتاج لوحة تحمل ضمير صانعها وقابلة للارتقاء في سلم الإبداع، ومن البهجة أن تجد رساماً حقيقياً لا تعنيه حرفنة المهنة التقليدية بقدر ما يعنيه استكشاف أدوات وتقنيات قادرة على حمل نزعاته الجمالية وتطوير تجربته البحثية واستنطاق عوالمه الذاتية بصيغ جمالية خاصة وجديدة، ومن المؤكد أن هذا الفنان الشاب يخطو بثقة العارف نحو تأكيد حضوره الفني بما يمتلك من تجربة وخبرة تجيز له أي شخصية سيكون من خلال لوحته، وقد كتب الناقد عمار حسن في تقديم معرض الفنان:
“يونس السيد الذي اختبر الرسم كتجربة خاصة سرعان ما أرسى ملامح شخصية فنية سيكون لها حضورها القوي في المشهد التشكيلي السوري، وإن كان قد تأثر بالعديد من الفنانين بانزياحات مختلفة، من بينهم إيغون شيلي وعمر حمدي وغيرهما، إلا أن المهتم سيلحظ أن السيد يشكل خطه وأسلوبه الخاص مستفيداً من تجربته وخبرته مع الألم، بحيث تشبهه لوحته، ولنقل أنها هو، فمن حق الفنان أن يرسم نفسه بأسلوبه وهذا نراه إلى جانب الأنثى التي تحاول معه إزاحة البرد ومنح الأقمار، إنه يدخلنا إلى أجوائه الخاصة والحميمية والحرة، مبعثراً مفاهيم صلابة وقوة التكوين في اللوحة ليكون مترنّحاً وعلى حافة التشكيل، منسجماً مع واقع يترك أثره النفسي حتى على الروح، فكيف للوحةٍ أن لا تهتزّ بفعل كل هذا الألم.. ورغم قوة الحركة ومحاولات الخروج من الشرانق إلا أن التعبير يبقى في حيّزه الضيق لجهة الفرح، ذلك لأن يونس وشركاءه في اللوحة يعرفون أنهم على خشبة مسرح الحياة التي لم تعد تشبه الحياة.. وأن حلم يونس أن يكون مسرحياً قد تحقّق على خشبة اللوحة وله الحق برأيي أن يقول نصّه البصريّ بطريقته… فتعبيريّة يونس لا تشبه التعبيرية التقليدية ولا التعبيرية الألمانية ولا حتى التعبيرية التأثيرية وإن قاربتها، إنها تعبيرية تشبه لمسات الزجاج المكسور، وتشبه الرسم بمقصّ الجرّاح الذي يرسم ما تحت الجلد أكثر ما يرسم سطح الجلد، إنه يرسم اللحم بلكنة ضربات الريشة كمن يزرع شرائح اللحم البشري على سطح الجسد بدل رسمه مشبعاً بالضوء، إنه يرسم الجسد بتلك الحركات الغريبة وكأنه لا يزال يتوجع ويعيد إليه ما تناثر من زجاج لحميّ، فنرى لمسات اللحم هي التي تتكسّر على الضوء الخافت وليس العكس، ما هو غير متوازن ومهتزّ على هذا الفضاء التشكيلي هو بالحقيقة ثابت ومدرَك من وجهة نظر السيد، ويشبه الحقيقة التي نطّلع عليها باستغراب باعتبارها خيال الفنان، ولكنها خيالٌ حقيقي، وكم اجتمعت الحقيقة بالخيال، والثنائيات المتناقضة حتى الجنون في هذا الليل الطويل، جسدٌ بكل تحولاته وصراعاته مع الألم والخواء والفراغ، يضحك ويمسرح كل شيء لتكون الحقيقة، والخروج المبهم إلى الحرية والانعتاق”.
أكسم طلاع