مجلة البعث الأسبوعية

آلام ولادة النظام العالمي الجديد

د. مهدي دخل الله

يعيش العالم حالياً آلام ولادة ” النظام العالمي الجديد ” ، وهي آلام شديدة بسبب التطور الهائل في تكنولوجيا الإعلام التي تنقل الحدث للجميع في أنحاء العالم , المهتم منهم بالسياسة وغير المهتم , وبسبب التطور الكبير في إنتاج السلاح ..

لكن السيناريو هو نفسه مع كل تحول من نظام عالمي إلى آخر , حيث تصل عملية شد الحبال إلى أقصاها ، ويعيش العالم برمته آلام الولادة مع كل مخاطرها ، ومن أهم هذه المخاطر احتمال أن تنفجر الأوضاع على الرغم من توازن الرعب بين القوتين النوويتين : روسيا والولايات المتحدة .

وما يزيد الطين بلّة أن آلام ولادة الجديد يرافقها حشرجة احتضار القديم ومحاولته اليائسة للبقاء على قيد الحياة . هذا هو المشهد اليوم , وهو مشهد تكاد تنقطع أمام هوله الأنفاس ..

لنعد إلى السيناريو .. ينفجر الصراع بين الجديد الذي يتوق للحياة والقديم الذي يحاول الهرب من الموت في منطقة معينة . وعادة تدفع هذه المنطقة ثمن هذه العملية , الولادة والموت , على حساب كيانها ..

الانتقال من نظام التحالف في مواجهة النازية إلى ثنائي القطب انفجر في شبه الجزيرة الكورية بداية الخمسينيات فكانت النتيجة تقسيم الشعب الكوري الواحد إلى دولتين عدوتين ، وما زال هذا التقسيم قائماً حتى الآن ، على الرغم من أنه لا توجد في كوريا مذاهب ولا طوائف أو إثنيات . الانتقال من ثنائي القطب إلى أحادي القطب في التسعينات انفجر في يوغسلافيا ، فكانت النتيجة تقسيم هذا البلد غير المنحاز إلى ستة دول متصارعة ، بعضها انضم إلى الناتو والبعض الأخر يميل إلى روسيا .

اليوم سورية ، وبعدها أوكرانيا ، مركز موت أحادي القطب وولادة متعدد الأقطاب . عملياً وبغض النظر عن التفاصيل تم تقسيم أوكرانيا إلى ثلاث دول .. أوكرانيا ودونيتسك ولوغانسك . سورية نجت من التقسيم بفضل ثبات الدولة وتلاحم الشعب والقيادة التاريخية فيها المتمثلة بشخص الرئيس الأسد . هذه وقائع نعيشها ونشهدها . وثمن الاستقلال كبير خاصة إذا كان الأمر يتعلق بواقع دولي قائم على المواجهة . ولعله قدر الشعب السوري ، وخياره ، أن لا يقبل بتقسيم بلده ، مهما كانت التضحيات ، ومن أهمها مواجهة حرب التجويع الخطرة ..