دراساتصحيفة البعث

ألمانيا ستدفع ثمن توقيفها “نورد ستريم 2”

عناية ناصر  

لا يجادل أحد بأن روسيا أهم لاعب في أسواق الطاقة العالمية، إذ تعد ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وثالث أكبر منتج للنفط، وهي التي تورد معظم إمدادات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، حيث شكل الغاز الروسي عام 2020  43٪ من إجمالي واردات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.

في 21 شباط 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسمياً استقلال جمهوريتي لوغانسك و دونيتسك، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى شعور روسيا بانعدام الأمن الناجم عن الدور الذي لعبه جو بايدن في الثورة الملونة عام 2014 حين كان نائباً للرئيس، بحيث يمكن وصف أزمة أوكرانيا الحالية بأنها امتداد لتلك الثورة الملونة.

تعود جذور الوضع في أوكرانيا إلى سياسات ما بعد الاتحاد السوفييتي، وتوسع الناتو والديناميكيات بين روسيا وأوروبا، والولايات المتحدة والغاز. فالأزمة الأوكرانية لا تتعلق بأوكرانيا بقدر ما تتعلق بإمدادات الغاز، وعلى وجه الخصوص بخط الأنابيب الذي يربط ألمانيا بروسيا “نورد ستريم 2″، والذي يعمل الآن بشكل كامل تقريباً وجاهز للبدء بضخ الإمدادات، وبذلك سيكون لدى الألمان مصدر موثوق لطاقة الغاز بينما ستحصل روسيا على دفعة لعائداتها من الغاز. إلا أن هذا الوضع المربح للطرفين لا يحبذه مسؤولو السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا هو السبب في أن إدارة بايدن تعارض “نورد ستريم2″، فهو ليس مجرد خط أنابيب، بل نافذة على المستقبل تقرب بين أوروبا وآسيا، بينما تترك الولايات المتحدة على الطرف سياسياً واقتصادياً مما يؤدي إلى فقدان السيطرة على حلف الناتو ببطء.

“نورد ستريم2” هو نظام من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي البحرية التي تعمل تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، إذ يبلغ طول خط نورد ستريم2 1230 كيلو متراً، بينما كان خط أنابيب “نورد ستريم 1” الأقدم هو أطول خط أنابيب تحت سطح البحر في العالم، ومن المتوقع أن يضخ “نورد ستريم 2 ” ما يصل إلى 110 مليار متر مكعب، وقيمة مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2” تبلغ 11 مليار دولار.

ويتمتع خط أنابيب “نورد ستريم 2 ” بالمزايا التالية:

– يمثل طريقاً أقصر إلى أوروبا منه عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية بسبب الاضطرابات.

– كونه خط أنابيب حديث وجديد، فستكون الصيانة فعالة وأقل تكلفة.

– ترى روسيا وألمانيا أن خط الأنابيب يؤدي إلى وفورات اقتصادية بسبب إلغاء رسوم العبور عبر الطريق البري الأوكراني.

– أنشأت ألمانيا صندوقاً بقيمة مليار دولار لتعويض خسارة أوكرانيا عن رسوم نقل الغاز.

– دعمت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل الصندوق من أجل الحصول على غاز أرخص للشعب الألماني وسلفها شرودر يعمل الآن في شركة غازبروم.

إن ما تخشاه أوكرانيا هو أنها ستفقد نفوذها وإيرادات النقل المرتفعة مع أوروبا، لأن خطوط الأنابيب الخاصة بها أصبحت قديمة، وتعتبر أوكرانيا ذلك بمثابة تهديد كبير لها، فبعض خطوط الأنابيب في أوكرانيا قديمة جداً وتتطلب أعمال صيانة وإصلاحات كبيرة، كما أن أوكرانيا قد تخسر ما يقرب من ملياري دولار التي تدفعها روسيا لأوكرانيا كرسوم عبور لنقل الغاز عبر أراضيها.

التدخل الأمريكي  

عارضت الولايات المتحدة خط أنابيب الغاز على أساس أن الإمداد المباشر بالغاز إلى أوروبا سيعزز النفوذ الاقتصادي والسياسي لروسيا في المنطقة، كما أن الولايات المتحدة ترغب في بيع غازها الطبيعي المسال إلى أوروبا ولذلك تعارض خط أنابيب الغاز الروسي. لكن في الواقع، يعتبر خط الأنابيب أهم بالنسبة لألمانيا منه بالنسبة لروسيا ، فهو يمكنها من بيع الغاز بسهولة إلى الصين ودول آسيوية أخرى.  بالاضافة الى ذلك، تخشى الولايات المتحدة من وجود عسكري روسي في بحر البلطيق وفي المنطقة الاقتصادية السويدية، كما تزعم أنه يمكن استخدام كابلات الألياف الضوئية ومحطات إعادة الإرسال على طول خط الأنابيب للتجسس.

وقبل الأزمة، قامت الولايات المتحدة باتهام روسيا بتعمد حجب صادرات الغاز عبر خطوط أنابيب الغاز الأوكرانية من أجل الحصول على تصريح من ألمانيا والاتحاد الأوروبي لخط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” ، الذي تم بناؤه لتجاوز أوكرانيا. حيث تعتبر الولايات المتحدة خط الأنابيب أداة جيوسياسية لروسيا لتقويض الطاقة والأمن القومي، وزيادة نفوذ موسكو على أوروبا.

قبل أيام، أعلنت ألمانيا عن قرارها تجميد التصديق على  تشغيل خط أنابيب غاز “نورد ستريم 2″، في خطوة ستدفع ثمنها، حيث ستكون الخاسر للغاز الأرخص، إذ سيدفع الأوروبيون تقريباً ألفي يورو مقابل ألف متر مكعب وهو مبلغ ضخم بالنسبة إلى ألمانيا التي استوردت عام 2020 وحده 56.3 مليار متر كعب من الغاز الروسي، أي 55 في المئة من حاجاتها من الغاز.

إن تعليق خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” سيعتمد أكثر على الأمريكيين بالدرجة التي يكونون فيها قادرين على تلبية متطلبات الغاز الألمانية. ولهذا سيكون لهذا التغيير الكبير في السياسة الخارجية الألمانية تداعيات هائلة على أمن الطاقة، وعلى موقف برلين الأوسع تجاه موسكو على المدى الطويل.

ونتيجة لذلك، يتعين على قادة القوى الأوروبية الكبرى التي ستتحمل وطأة الأزمة الأوكرانية المتصاعدة، التوصل إلى تفاهم مع روسيا لأن أوروبا  ستتكبد الخسائر أكثر من روسيا بسبب اقتصاديات الغاز حيث ستتضاعف أسعار الغاز.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو متى سيبدأ ضخ الغاز الروسي السيبيري عبر خط أنابيب نورد ستريم 2 إلى ألمانيا، أم هل سيبقى مشروع بقيمة 11 مليار دولار دون تشغيل، ومن الذي استخدم الغاز أخيراً كسلاح سياسي واقتصادي في هذه اللعبة التي ليس فيها رابحين؟