أوكرانيا تحت المجهر
ريا خوري
منذ تفكّك الاتحاد السوفييتي السابق، كانت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول حلف شمال الأطلسي تسعى لضمّ أوكرانيا إلى معسكرها. وفي عام 1994 تحديداً قال مستشار الأمن القومي الأمريكي زبيغينيو بريجنسكي: “إن أوكرانيا القوية والمستقرة ستكون ثقلاً موازياً حاسماً لروسيا”. وحين سئل بريجينسكي كيف تكون أوكرانيا موازياً لروسيا، أجاب قائلاً: “إذا سيطرت روسيا الاتحادية على أوكرانيا فيمكن لها أن تعيد بناء إمبراطورتيها التي فقدتها من جديد، وبالطبع لن تعاد على أساس إيديولوجي وإنما على أساس قومي”.
بعد انتهاء الحرب الباردة وضعت الولايات المتحدة خطة أطلقت عليها نظرية “الخاصرة الرخوة” إزاء عدوها التقليدي الأول، وكانت مع نظريات وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر، ومستشار الأمن القومي الأمريكي زبينيغيو بريجنسكي بشأن الصراع الأيديولوجي، تفكر في إشعال صراعات في الدول المتاخمة لروسيا، أي أن تبقى ألسنة النيران مشتعلة، وأن يتمّ صبّ الزيت على النار كلما انطفأت!.
هذا الأمر أدركه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ وصوله إلى الكرملين، وبقي حذراً من استخدام الولايات المتحدة بشكلٍ خاص، والغرب الأوروبي عموماً، لأوكرانيا بهدف تهديد روسيا الاتحادية. واليوم، يبدو أن خبايا الصراع باتت منظورة، فالصراع الجديد المعلن يرتكز في مضامينه على الأيديولوجيات، وهو شكل من أشكال الحرب الباردة بطبعتها الجديدة وبكل المعايير، ويمكن قراءة حيثيات ذلك الصراع بأن جمهورية أوكرانيا تريد أن تصبح عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجمهورية روسيا الاتحادية تعتبر ذلك تهديداً مباشراً وغير مباشر لها، ولن تقبل نهائياً بنصب صواريخ متنوعة القوة على حدودها، كما حصل مع بولونيا وتشيكيا ودول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، وتطالب بضمانات موثقة.
صحيح أن الاتحاد السوفييتي السابق قد انهار، إلا أن روسيا الاتحادية تمتلك أسلحة يُحسب لها الحساب، ولديها إمكانات وموارد اقتصادية كبيرة، فضلاً عن طاقات وكفاءات علمية رفيعة المستوى، بحيث تستطيع أن تكون فاعلاً مهماً في الساحة الدولية لا يمكن تجاوزه على الإطلاق.
لقد حذّر بريجنسكي سابقاً من إهانة روسيا، لكن الولايات المتحدة ومعها دول أوروبا الغربية التي تعهّدت بعدم ضمّ أي عضو سابق في حلف وارسو أو من الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى حلف الناتو، انقلبت على أعقابها، وهو ما نراه اليوم بأم العين.