قول في التلقي النقدي
ثمّة سؤال يتواتر في الوسط الثقافي والإبداعي، وهو: هل تحكم التلقي النقدي أزمة، ما طبيعتها، وهل هي أزمة مركبة يجهر بها غياب اللغة النقدية؟، هذا فضلاً عن أن المتلقي لخطاب النقد بات يشكو –وبحكم ذائقته- من غياب النقد بوصفه علماً وفناً بآن معاً.
وبعيداً عن الإجابات الناجزة والقاطعة بأحكامها المعيارية المطلقة، يمكن القول إنها الأزمة القديمة الجديدة، إذ المسألة هنا ليست في الخطاب النقدي ذاته (مصطلحات ومفاهيم وأفكار)، بل في كيفيات الخطاب ومن يخاطب الناقد في سلوكه النقدي، فمن غير المعقول أن ترسخ في العقول مقولتان شديدتا التبسيط (المدح أو الهجاء) فالنقد أبعد من ذلك بكثير بوصفه فعالية معرفية تقوم على الحوار مع النصوص لا المبدع، الذي ينفصل تدريجياً عنها، لأنه كما وقر فإنّ النص هو الشخص، وعلى الناقد المفترض في مقاربته أو ممارسته أو قراءته إن جاز التوصيف، أن يكون مبدعاً قبل أي شيء، لأن الغائب هنا هو طبيعة النقد من حيث هو إبداع أيضاً، والذي يبني نصه بثراء ووضوح منهجي وإشراق فكري، لا يعني ذلك محض بلاغة خارجية كي لا يذهب النص إلى رطانة بلاغية لا يحتاجها نص المبدع، وعليه فإن التلقي النقدي الناجع هو الذي يقوم على التوظيف الخلّاق لمنهج ورؤيا أكثر منه استظهاراً لمتعاليات النصوص أو سياحة في المتداول الأثير، فلغة النقد لابد لها من أن تكون لغة إبداعية بامتياز، سواء ما ذهب منها إلى التحليل النصي أو إلى المقارنات التي تعني شكل إضافة المبدع بذاته قبل زمنه، من أجل أن تنضج أفعال التلقي بالانتباه إلى مستويات التلقي كما القارئ، أزمة ستعني صيرورة الجدل داخل المؤسّسة الأدبية انطلاقاً من النص وليس انتهاءً بفاعلية النقد الإبداعية وثقافتها المؤسّسة على الوعي والحساسية والاستشراف.
أحمد علي هلال