“لقمة عيش” العُمانية.. على خشبة مسرح الحمراء
عبَّر أعضاء فرقة الدن العمانية للثقافة والفنون عن سعادتهم بقدومهم إلى سورية لتقديم مسرحية “لقمة عيش” على مسرح الحمراء بدمشق، وقد استُقبلت من قبل جمهور المسرح في سورية بحفاوة كبيرة، وأشار أ. محمد النبهاني رئيس الفرقة في تصريح لـ “البعث” إلى الاستقبال الرائع الذي استُقبِلَت به الفرقة، وشكر سورية على حسن الضيافة التي لا يمكن التعبير عنها، وهذا – برأيه – ليس أمراً غريباً على السوريين المعروفين بكرمهم.
ولم يخفِ النبهاني أن الفرقة لم تتردّد أبداً في تلبية الدعوة، وأسعده كثيراً تفاعل الجمهور السوري مع المسرحية، موضحاً أن فرقة الدن تأسّست في العام 1994 بشكل فطري من قبل مجموعة من الأطفال الذين اجتمعوا لتقديم أنشطة فنية مختلفة في قرية الدن، وأُطلق في البداية على هذا التجمع اسم جماعة الدن، ولكن بعد سنة من المحاولات الأولى أصبح لهذه الفرقة جمهور كبير في القرية، وفي 20 كانون الأول 1994 أُطلق على الفرقة اسم “فرقة الدن” بعد أن أصبحت الفرقة معروفة وتضمّ أعداداً كبيرة من القرى المجاورة، وشيئاً فشيئاً توسّعت لتتجاوز بعملها وأعضائها جغرافية القرية إلى المدن، وأصبحت نسبة الأعضاء فيها من المدن 80% وبالتالي أصبحت فرقة عُمانيّة بكل معنى الكلمة، وفي العام 2004 بدأت الفرقة التي كانت تقدم عروضاً للكبار والأطفال تشاركُ في مهرجان المسرح العماني، ومنذ ذلك الوقت بدأت تحقّق حضوراً متميزاً على مستوى السلطنة، لتكون النقلة النوعية الأخرى التي شهدتها هذه الفرقة في العام 2007 حيث بدأت أعمالها تحصد الجوائز على مستوى السلطنة، وبدأت بتقديم العروض للصغار والكبار.
انتقلت الفرقة – يتابع النبهاني – إلى تقديم عروض الشارع والدمى والحكواتي. وأشار النبهاني إلى أن أول مشاركة خارجية لها كانت عام 2010 من خلال عرض “الجسر” الذي يتحدث عن نكسة عام 1967 حيث رُشّح للمشاركة في مانشستر بلندن لتقديمه للجاليات العربية، ثم شارك العرض في مهرجان القاهرة التجريبي، ومن ثم في الجزائر، مبيناً أن الفرقة تقيم عادة مهرجان الدن الدولي، وهو مهرجان مسرحي دولي تنظمه الفرقة كل عامين بمشاركة فرق مسرحية دولية وسط فعاليات ثقافية متعددة وحضور متميّز من الضيوف من مختلف أنحاء العالم، وهو يشتمل على أربع مسابقات مسرحية هي: مسابقة مسرح الطفل والشباب ومسرح الكبار ومسرح الشارع، وأن هناك فرقاً أخرى في عُمان، بعضها يتبع لوزارة الثقافة والشباب والرياضة تبعية لوجستية، وهي فرق رسميّة لكنها غير مدعومة من قبل الحكومة إلا من خلال بعض المساعدات، وإلى جانب هذه الفرق هناك الفرق المسرحية الأهلية التي تجتهد وتموّل من قبل المجتمع الأهلي والتي أغنى وجودُها الحركة المسرحية العُمانية، مؤكداً أن كلّ هذه الفرق بما فيها فرقة الدن تحجز لها مكاناً في الحركة المسرحية حسب اجتهادها ونشاطاتها وجودة ما تقدّمه.
مضامين فنيّة وجماليّة
وبيَّن مخرج “لقمة عيش”، الفنان محمد سالم الرواحي، أنه تمّ اختيار هذا العرض لتقديمه في سورية لأنه من العروض المتميزة التي استطاعت أن تفرض نفسها في عُمان، وفي رصيد العرض العديد من المشاركات السابقة في المهرجانات العربيّة والعديد من الجوائز التي نالها، لما يحمله من مضامين فنيّة وجماليّة، وهو عرض كوميدي فيه اشتغال كبير على الفراغ والممثل، مؤكداً أن أولوياته كمخرج في هذا العمل كانت الاشتغال على الممثل لأنه جوهر العمل المسرحي، برأيه، وهو يحرص في كلّ عروضه على أن يكون الممثل هو الركن الأساس في العرض لقناعته أن الممثل إن كان موجوداً وحاضراً بقوّة كان المسرح موجوداً، أما باقي العناصر الفنية الأخرى فما هي إلا مكمّلات يمكن الاستغناء عنها، إن كان الممثل حاضراً لإيصال مقولة العرض، موضحاً أن “لقمة عيش” مأخوذ عن نصّ للكاتب البحريني جمال الصقر بعنوان “بلاليط”، وقد تمّ تطويره مع الاحتفاظ بالفكرة الأساسية التي تمّ التعبير عنها من خلال تكوين تشكيلات جماعيّة بحركات الممثل، مشيراً إلى أن “لقمة عيش” تُعرض منذ خمس سنوات، وفي كل مرة تتطوّر، منوهاً بأنه كمخرج من الناحية الفنيّة يميل للعروض الحديثة ذات الرتم العالي ولا يغريه الإيقاع البطيء، لتكون الحركة في المسرح هي المتنفس بالنسبة له، إلى جانب الاشتغال على الخيال والأفكار الجديدة والابتعاد عما هو تقليدي.
وبين الرواحي أن كل مخرج له مدرسته في المسرح، إلا أنه شخصياً متأثر كثيراً بالمسرح الأوربي، والإيطالي على وجه الخصوص، لذلك يحضر مهرجانات هذا النوع من المسرح وشاهد العديد من العروض التي كانت تبهره بحركة الجسد والحركة الجماعية للممثلين. وذكر الرواحي الذي هو أحد أعضاء الفرقة منذ العام 2011 أنه كان طفلاً عندما عَمِل مع هذه الفرقة كممثل في العروض الموجهة للأطفال، وشيئاً فشيئاً اتجه إلى مسرح الكبار، حيث اشتغل في البداية كممثل، ثم وفي السنوات الأخيرة من العام 2015 عَمل في الفرقة كمساعد مخرج، ثم اتجه لإخراج بعض السكيتشات، ثم انتقل إلى مسرح الكبار من خلال “لقمة عيش” التي هي التجربة المسرحية الأولى له، بالإضافة إلى عرض “صالح الحياة” الذي قدّمه عام 2018 منوهاً بأن “لقمة عيش” هو العمل الأكثر مشاركة خارج عُمان لعدم وجود ديكور مما أتاح سهولة تنقّله.
وعن واقع المسرح في عُمان بيّن الرواحي أن الكثير من الناس يعتقدون أن المسرح في عُمان ليس من المسارح المتقدّمة، لكن العروض التي تخرج خارج نطاق البلد تثبت أن في عُمان خامات قوية من ممثلين ومخرجين وكتّاب مع وجود مسابقات كثيرة ومهرجان في عمان، بالإضافة إلى المسرح الشبابي الذي يتطوّر بشكل كبير، وهو مسرح الكليات والجامعات، موضحاً أن مسرح الشباب يُقدّم ما هو مختلف ويكاد يتقدّم على المسرح الذي كان يُقدّمه الكبار، دون أن يخفي أن عُمان تفتقد إلى الممثل المحترف لغياب معهد خاص بالتمثيل، لذلك فإن معظم الممثلين يعملون بروح الهواية، وهم يمارسون المسرح إلى جانب أعمالهم الخاصة والحكومية، وهذا لم يسبّب لهم أي عائق لأنهم محبون للمسرح وعشّاق له، وهم يقضون أوقاتهم فيه أكثر من عملهم اليومي، وهذا جعلهم يتطوّرون دائماً ويقدّمون ما هو مختلف بفضل اطّلاعهم ومتابعتهم لحركة المسرح في جميع أنحاء العالم عبر السوشيال ميديا ومتابعة المهرجانات العالمية أون لاين.
يُذكر أن “لقمة عيش” من تمثيل: سالم الرواحي، أحمد الرواحي، وليد الدرعي، أحمد الصالحي، هيثم المعولي، خميس البرام.
أمينة عباس