هل أوكرانيا جادة بالتفاوض.. وهل تملك قرارها؟
محمد نادر العمري
من المؤكّد أن روسيا الاتحادية بشكل عام، والرئيس فلاديمير بوتين وقياداته العسكرية والسياسية بشكل خاص، لم تكن ترغب باستخدام القوة العسكرية لضمان الأمن القومي الروسي، حينما قدّمت للغرب والناتو مجموعة مطالب أمنية تتضمن تعهد حلف شمال الأطلسي بعدم ضمّ أوكرانيا لحظيرته “الدفاعية”، وكذلك عدم تسليح أوكرانيا ونزع سلاحها، بما يجعلها محايدة.
غير أن ما قامت به الولايات المتحدة والناتو من التجييش الإعلامي والتوظيف الدعائي، ودفع القيادة الأوكرانية المقرّبة من النازية الأطلسية الغربية، لقصف مناطق ومدن إقليم دونباس الذي يتكوّن من سكان تزيد نسبتهم عن 42% من أصول روسية، وإيقاع الخسائر المدنية والاقتصادية، ما دفعهم للنزوح بأعداد كبيرة نحو المدن الحدودية الروسية، دفع الأخيرة للقيام بـ”عمليات عسكرية خاصة” لضمان أمن هؤلاء أولاً، وضمان عدم تحوّل أوكرانيا لمنصة متقدمة للناتو بهدف استخدامها لاستهداف الأمن القومي الروسي.
ومع بدء العمليات العسكرية التي لم تصل حدّ الحرب وفق مؤشرات عديدة، لم تتخلَ موسكو عن دعوتها لخوض حوار دبلوماسي للوصول لاتفاق سياسي، إلا أنه كان واضحاً، منذ ما حمله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكذلك المستشار الألماني أولاف شولتز، من مبادرات لم تكن سوى مناورات سياسية، خاصة وأن كلتا المبادرتين لم تنصا على عدم ضمّ أوكرانيا مستقبلاً للناتو، وإن كانتا تتضمنان أنه لن تنضمّ في الوقت الحالي، وهي المناورة نفسها التي استخدمتها القيادة الأوكرانية المقرّبة من الغرب، حيث أبدت، بداية، موافقتها للدخول في مفاوضات سياسية، ولكن كان واضحاً أنها مجرد مناورة لكسب الوقت، سواء لوقف العمليات العسكرية الروسية من جانب، أو من جانب آخر ضمان وصول الإمدادات العسكرية لها من قبل الغرب عبر بولندا، وهو ما دفع الجانب الروسي لاستعادة الزخم لعملياته العسكرية والتي أجبرت أوكرانيا على إبداء موافقتها للتفاوض.
غير أن المناورة عادت من خلال عدم موافقة أوكرانيا على إجراء هذه المفاوضات في مينسك البيلاروسية، بذريعة أنها حليفة موسكو وقريبة من الاتحاد الروسي، ما دفع الروسي لإبداء المرونة والموافقة على أن تكون المفاوضات في نقطة حدودية في مدينة غوميل البيلاروسية الواقعة على المثلث الحدودي بين روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، بعد رفض موسكو أن تكون المفاوضات في أي دولة أخرى تمثل امتداداً للناتو.
وما يؤكد عدم استقلالية القرار الأوكراني وعدم جديته هو تأخر الوفد للوصول إلى النقطة المتفق عليها نصف يوم كامل، بعد إصرار أوكرانيا على انتقالهم عبر بولندا وليس عبر كييف باتجاه الشمال، حيث التقى الوفد أثناء انتقاله لبولندا بالسفير الأمريكي هناك وممثلي بعض السفارات الدبلوماسية الأوروبية، وذلك للتزوّد ببعض بنود التفاوض وتقديم الوعود لهم لعدم الموافقة على الشروط الروسية.
واللافت أن الوفد الروسي الذي توجّه لمدينة غوميل البيلاروسية لبدء المفاوضات، أكد أن “موقفنا في المفاوضات مع الأوكرانيين سيكون صارماً وغير قابل للتنازلات”، حيث تتضمّن الشروط الروسية مرتكزات رئيسية لضمان الأمن القومي الروسي، ولذلك ستكون مواقفه صارمة وغير قابلة للتنازلات، وخاصة بعد السلوك الاستفزازي الأوروبي والأمريكي. وتتمثل الشروط الروسية في:
– ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو حالياً ومستقبلاً.
– الاعتراف بأن القرم روسي والاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
– التعهد بعدم امتلاك أسلحة دمار شامل وعدم تزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة.
– تشكيل حكومة انتقالية تشمل كافة ألوان الطيف السياسي الأوكراني.
– حظر المنظمات المتطرفة وملاحقة مرتكبي الجرائم منهم وتقديمهم لمحاكمة عادلة.
– إلغاء القوانين التعسفية التي تطلق باللغة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية وسواهما.
– إجراء انتخابات عامة بعد المرحلة الانتقالية.
– إيقاف كافة العمليات العسكرية ضد روسيا في دونباس، وتكليف القوات لحفظ النظام العام تحت إشراف القوات الروسية.
ما بين التبعية الأوكرانية للغرب واستمرار تقديم الوعود والسلاح، وما بين التصلّب الروسي بمواقفه المحقّة لضمان أمنه القومي، لا يبدو أن المفاوضات ستصل في هذا التوقيت لأي نتائج، وهو ما سيدفع الروسي نحو تعزيز عملياته العسكرية لإجبار الحكومة الأوكرانية على القبول بشروطه، أو حصول انقلاب عسكري في أوكرانيا، وخاصة بعد دعوة الرئيس الروسي للجيش الأوكراني بإمساك زمام الحكم والمبادرة.