الواقع الاقتصادي الموجود والمنشود.. مسؤولية مشتركة
عبد اللطيف شعبان
من المؤسف جداً أن واقع الحال الاقتصادي، على المستوى الوطني والمجتمعي والأسري والفردي، يراه البعض في حالة يُرثى لها، ويتهاوى يوماً بعد يوم. وحقيقة الأمر أن هذا الرأي لا يخلو من موضوعية قياساً بما عهدناه خلال العقود الماضية، من تنامٍ متتابع للنعيم المقترن بالتفاؤل وبالمزيد، إذ كنّا قد تجاوزنا صعود النصف الأول من سفح الجبل باتجاه قمته اليانعة الخضار والثمار، لكن جهوزية الفاسدين والمخربين التي واكبت هذا التنامي المتتابع، تمكنَّت من عكسنا باتجاه الوادي الضيِّق، والخشية من أن نصل قاعه بمياهه الآسنة، لا بمياه الأمطار التي نسميها الغيث.
ولكن من غير الجائز ألاَّ يعترف الجميع، أن هذا الواقع المؤسي ليس هو فقط من صنع الأعداء في الخارج والداخل وعملائهم المأجورين، بل تمَّ بمشاركة من المواطنين الفاسدين والمقصّرين والأغبياء والصامتين والمتخاذلين الذين أوصلونا إلى ما نشكو منه اليوم، أكانوا من الذين تبوؤوا العديد من المهام، أو الذين كانوا يعملون معهم وبجوارهم أو يقيمون بالقرب منهم، الذين شاركوا بشكل وآخر في قصور الحكومات السابقة وسوء أدائها الذي أسّس لما وصلنا إليه الآن، إذ قد تبيّن لجميع المتابعين أن ما من حكومة كانت أفضل من سابقتها، ولا زال الحال على ما هو عليه حتى تاريخه.
بعض هؤلاء يتحدثون الآن شاكين وباكين ومتهمين ومطالبين الحكومة الحالية بعبء النهوض من هذا الهبوط المتتابع الذي سبّبته الحكومات السابقة، ولا جدال بأن الحكومة الحالية معنية بالنهوض المطلوب، وهي مسؤولة عن اعتماد معالجات إنقاذية، لكنها، حتى تاريخه، تتابع سياسة الحكومات السابقة، المؤدية باستمرارية الهبوط، إذ تبدو مقصّرة حيناً وعاجزة حيناً آخر، فأعمالها المشكو منها تكاد تسبق الآمال الأفضل التي يتوخاها المواطنون، وشبه غافلة كلياً عن الجانب الإنتاجي، فالاستثمار الإنتاجي في أدنى حالاته فعلياً، خلافاً لما نادت به نظرياً، فشعارها النظري الذي تضمن زراعة كل شبر أرض، حجَّمته فعلياً برفع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني من سلعية وخدمية، بالترافق مع الحدّ من وجود هذه المستلزمات في الوقت المناسب، وما غلاء الوقود والسماد، وندرتهما إلاَّ مثال صارخ، وكذا الأمر، فإن طروحاتها بخصوص تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة لم تثمر، وتكاد تكون أنشطة فروع “هيئة تنمية المشاريع” محصورة بالدورات التدريبية التي تقيمها في المحافظات، والتي غالباً لا يعقبها تأسيس مشاريع فعلية بالكمّ والحجم المطلوبين، بل إن التقنين الكبير للكهرباء حدَّ كثيراً من إنتاجية المشاريع القائمة، عدا عن معاناة المشاريع العاملة، من ارتفاع أسعار المدخلات وضعف تسويق المنتجات بسبب ارتفاع أسعارها، وجهودها المنصبّة على معالجة الأمور الاستهلاكية والخدمية، يتخللها الكثير من حالات الخطأ والهدر والخلل والفساد، ولا تزال عشرات المنشآت الإنتاجية القديمة قيد التوقف دون ترميم أو إصلاح، وبعض القرارات والإجراءات المتتالية تنبئ بالويلات الآتية.
هذا الواقع الصعب والمنذر بالأصعب القادم، لا يعالج بالنكران أو التجاهل من المسؤولين، بل يتطلّب منهم تكثيف استثمار كافة وسائل الإعلام لتحليل الواقع بدقة، وعرض المزيد من البرامج التحليلية والتوعوية واستشراف الرؤى الوطنية التي ترى عشرات المخارج، بدلاً من إشغال الشاشات التلفزيونية ببرامج ومسلسلات لا تمت لواقع الحال بصلة، وأيضاً لا يعالج بالمزيد من التهم الموجهة من المواطنين للحكومة التي هي عاجزة بسبب نقص -بل شح- الكثير من مواردها المترافق مع عجزها وقصورها وسوء إدارتها في استثمار بعض ما بين يديها من موارد أخرى، فجميع المواطنين معنيون بالعمل لتحقيق ما يتوخونه من أمل عبر استثمار طاقاتهم الفكرية والعملية، والحدّ من نفقات استهلاكهم وتوجيه بعضها لادخارات واستثمارات تنتج لهم بعض حاجياتهم، إذ المؤسف أن الكثير من المواطنين اعتمدوا التقنين الكبير في الادخار والاستثمار، والتقنين الأقل في الاستهلاك، حتى أن الجمعيات الخيرية تصبّ معظم تبرعاتها في الجانب الاستهلاكي، وقبل أيام ورد في الإعلام أن أحد رجال الأعمال تبرع بمبلغ مليار ليرة سورية لدعم نادٍ رياضي، وكم هي الحاجة ماسة لتخصيص هذا المبلغ وأمثاله لمصلحة مشروع إنتاجي سلعي كبير يؤمّن العمل للمئات، ويغني عن الاستيراد بملايين الدولارات، وهكذا لتبرعات أخرى.
خلاصة القول: لن تتحقق الآمال الموعودة على المستوى الفردي والأسري والوطني إلا بالمزيد من الأعمال المنتجة فردياً وأسرياً ومؤسساتياً، المترافقة بالقليل من الأقوال المثبطة المتشائمة، فمن الخطأ أن يطلب المواطن من الحكومة ما لا تستطيعه، والخطأ الأكبر أن تسفر سياساتها عن تحميله ما لا يطيقه، فلكل حق واجب.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية