هل الرياضة سياسية أم لا؟
هيفاء علي
منذ متى كانت هناك علاقة بين الرياضة والسياسة؟ بالتأكيد جميع الأحرار في العالم طرحوا على أنفسهم هذا السؤال عندما أقدم الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الدولي للجودو على استبعاد روسيا بسبب ما اعتبراه “غزواً لأوكرانيا”. إذ لطالما كان هناك من نادى بعدم الخلط بين الرياضة والسياسة! ولكن يبدو أن هذا الشعار لم يكن صالحاً للجميع، وهو لا ينطبق على الإطلاق على الدول الغربية أو الدول التي تعتبر نفسها فوق كل القوانين الدولية.
كان رد فعل “عالم الرياضة” سريعاً للغاية.. بالكاد بعد ساعات قليلة مما أسموه “غزو الجيش الروسي لأوكرانيا”، صدر طوفان من التصريحات والاستياء والنهي والنفي لكل ما يتعلق بالرياضة الروسية لم يسبق لها مثيل في ذاكرة الإنسان. وفيما يتعلق بكرة القدم، قام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بإزاحة نهائي دوري أبطال أوروبا المقرر في البداية في سانت بطرسبرغ. ثم، وبالتعاون مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، تم اتخاذ قرار استبعاد روسيا ببساطة “من جميع مسابقاتها الدولية”، حيث رفضت بولندا لعب مباراة الملحق ضد روسيا. ولكن حول هذا الموضوع، هناك تذكير تاريخي لابد من استحضاره الآن ففي عام 2013، مُنح الكيان الاسرائيلي تنظيم البطولة الأوروبية لكرة القدم تحت سن 21 سنة، لمكافئته بلا شك على عملية “الرصاص المصبوب” عام 2009 التي ذهب ضحيتها 1417 شهيداً، بينهم 926 مدنياً (313 طفلاً و116 امرأة)، والأسلحة المستخدمة في ذلك العدوان هي الفوسفور الأبيض.
وقبلها بعام، أي 2012، استشهد أربعة مراهقين إثر استهدافهم بقصف إسرائيلي أثناء لعبهم كرة القدم في غزة، ولم تزعج هذه الجريمة ميشيل بلاتيني الذي كان في ذلك الوقت رئيساً للاتحاد الأوروبي لكرة القدم. وفي 29 تشرين الثاني 2012، بعد أيام قليلة من الهجوم الدامي، ذهب بلاتيني لتناول “الغداء” مع الرئيس الإسرائيلي حينها، شيمون بيريز. ووسط الاحتجاج على اختيار الدولة المضيفة لهذا الحدث الرياضي، ذهب وفد من النشطاء إلى مقر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم للتعبير عن معارضتهم والمطالبة بتفسير، أجاب بلاتيني وقتها: “الرياضة لا يمكن أن تتدخل في السياسة، ولهذا السبب لا يفكر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في فرض عقوبات على إسرائيل”.
إذن توضحت الأمور، فعندما يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي، لا يوجد أي نوع من العقوبات. مع العلم أنه لم تتوقف المجازر الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ولا اقتطاع المزيد والمزيد من أراضيهم على مدى أكثر من ستين عاماً. ولم تمنع رئيس الفيفا “جياني إنفانتينو” من تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 من قبل “إسرائيل”! ولما لا؟ أوليست حياة الأوكراني والغربي أغلى من حياة الفلسطيني؟.
طالما تمكن ما يسمي نفسه ” المجتمع الدولي الغربي” من تطبيق عقوبات على روسيا، فيمكنه أن يطبقها على الكيان الإسرائيلي، وكذلك على الولايات المتحدة التي ذبحت العراقيين ودمرت بلادهم بناءً على الأكاذيب، وعلى فرنسا التي حولت “منطقة حظر طيران” إلى تدمير كامل لليبيا، وبالتالي إعادة إطلاق تجارة العبودية والإرهاب. وعلى كل تلك الدول التابعة لواشنطن، الذين يزرعون الفوضى والخراب في سورية واليمن والدول الأخرى التي تسعى فقط للعيش بسلام في الوطن. وبناء على ذلك، من المفترض أن يتم حظر جميع دول الناتو من جميع المسابقات الرياضية لعقابها على جرائمها بحق شعوب العالم الثالث.
هل الرياضة ضد السياسة الرسمية للدول الأعضاء في الاتحادات الدولية؟ ألا تروج الرياضة للقيم الإنسانية في ميثاقها؟ وهل تساهم الرياضة في مهمة “إسرائيل” الاستعمارية والعنصرية؟ وهل سيكون هناك “جودو من أجل السلام” لفلسطين ولكل الشرفاء من أمثال الجزائري نورين الذي حارب من أجل الشباب الفلسطيني لممارسة الرياضة بدلاً من أن ينتهي بهم الأمر في مقابر جماعية أو تحت أنقاض مدارسهم؟.