مجلة البعث الأسبوعية

تقلبات المشهد الاقتصادي .. تنفيذ برامج المؤسسات العامة يتعثر في حلب.. والمطلوب مراجعة متأنية وتقييم حقيقي لمجمل الأعمال

البعث الأسبوعية – معن الغادري  

منذ حوالي خمسة أعوام وعقب تحرير حلب من رجس الإرهاب تتالت زيارات الحكومة إلى حلب مجتمعة ومنفردة بهدف وضع الرؤى والأفكار والخطط والبرامج الخدمية والتنموية والاقتصادية لإزالة آثار الإرهاب عن المدينة،وذلك إيذاناً بإطلاق مشروع اعادة الإعمار والبناء وتسريع دورة العملية الإنتاجية لتعويض ما خسرته حلب خلال سنين الإرهاب.

ليست سهلة

وبكل تأكيد لم تكن المهمة سهلة بالنظر إلى حجم ما خلفه الإرهاب من الأضرار والخسائر المادية الكبيرة والجسيمة التي خلفها الدمار الجزئي والكلي للبنية التحتية ولركائز القطاع الصناعي بشقيه الصناعي والتجاري، إضافة إلى ما لحق من دمار وخسائر مادية قدرت بعشرات المليارات في القطاع السياحي الاستثماري.

فشل ونجاح

بالرغم من الجهود الحكومية والأهلية المبذولة لإعادة عجلة الحياة إلى حلب والذي كان بمثابة التحدي الأكبر، يمكن القول:إن بعض المؤسسات فشلت وبعضها الآخر نجح، لأسباب عدة منها سوء الإدارة وعدم توظيف الامكانات المتاحة في مسارها الصحيح  من جهة، وعدم توافق الخطط والدراسات مع الجانب التنفيذي من جهة أخرى، وبالتالي لم تكن النتائج مرضية وجاءت غير منسجمة مع الوعود الكثيرة الفريق الحكومي والمعنيين في حلب، حيث مضى أكثر من خمس سنوات على تطهير حلب، وما زالت العديد من المشاريع متوقفة ومتعثرة، ومنها القطاع السياحي والذي يشكل أحد أهم دعامات النهوض الاقتصادي لغنى حلب سياحياً.

مشكلات

وبالنظر إلى واقع حال مجمل المشاريع التنموية والاستراتيجية المعلن عنها سابقاً والمقرر إنجازها ضمن خطط هذا العام نجد أنها تعاني الكثير من المشكلات والصعوبات والتي تقف حجر عثرة أمام استكمالها وتنفيذ مراحل انجازها، ما يؤخر حقيقية من عملية استكمال عملية اعادة الإعمار وعلى النحو الذي تم التخطيط له مسبقاً، وبالتالي لا بد ونحن على أبواب الربع الثاني من هذا العام من إجراء مراجعة متأنية وعملية تقييم حقيقية لمجمل الأعمال المنفذة ووضع الرؤى والأفكار الناجزة وتذليل كافة المعوقات لتنفيذ الوعود الحكومية في تحقيق نقلة نوعية في مختلف القطاعات  الخدمية والاقتصادية والسياحية على وجه التحديد، وعودة حلب مدينة وريفاً الى أفضل مما كانت .

تقلبات

لا شك أن التقلبات في المشهد والمتبدلات السلبية الناتجة عن الحصار الاقتصادي وضعف القدرة الإنتاجية والشرائية على السواء أوجد واقعاً صعباً ومعقداً انعكس سلباً على الواقع الحياتي برمته، وهو ما بدا واضحاً من خلال التعثر الحاصل في تنفيذ البرامج والخطط وعدم القدرة على ضبط إيقاع العمل في كافة المؤسسات إلا ما ندر منها، وهو مؤشر يراه الكثيرون من المهتمين وغيرهم أنه يسهم في استنزاف الإمكانات والطاقات وزيادة الهدر واتساع دوائر الفساد، وكنتيجة طبيعية يؤدي إلى تراجع حاد في العملية التنموية، ما يتطلب إعادة قراءة المشهد وفق رؤية واضحة وشفافة وجريئة ترتكز على أسس ومعايير منطقية تنسجم مع الواقع الراهن المعاش بعيداً عن التنظير وسياسة الترقيع وتدوير الزوايا والمراوحة في المكان .

والسؤال الذي يفرض نفسه في ضوء ما تقدم إلى أين وصل القطاع السياحي في حلب..؟ وما أسباب تأجيل الملتقى السياحي الاستثماري الذي كان مقرراً انعقاده في شهر نيسان من العام الماضي..؟ وما ذا أدت مديرية السياحة بحلب من خطط وبرامج لاستقبال الموسم الصيفي خاصة ما يتعلق بجودة المنتج السياحي..؟

خريطة طموحة

مديرة السياحة بحلب المهندسة نايلة شحود بدت في حديثها متفائلة، مشيرة إلى أن الجهود مستمرة وبالتعاون مع كافة الشركاء، لرسم خريطة سياحية طموحة وشاملة، ستسهم في إيجاد بيئة مثالية وناضجة للنهوض بالقطاع السياحي وستساعد على تذليل كافة العقبات التي تعترض الجانب الاستثماري على وجه الخصوص، والمنتظر أن تحدده مخرجات وتوصيات ملتقى الاستثمار السياحي المركزي الذي سيعقد في دمشق بمناسبة العيد الذهبي لتأسيس وزارة السياحة، مشيرة إلى أن حلب سيكون لها حضوراً مميزاً  خلال أعمال هذا الملتقى من خلال تقديم محفزات كثيرة لإطلاق مجموعة من المشاريع السياحية المهمة، والتي ستجعل حلب مركزاً مهماً للاستثمار السياحي بمختلف صنوفه وأشكاله .

وأشارت شحود إلى أن سبب عدم انعقاد الملتقى الاستثماري السياحي في حلب العام الماضي كما كان مقرراً وإقرار عقده في دمشق بداية الشهر السادس من هذا العام يعود لصدور قانون الاستثمار السياحي الجديد والذي يعد أكثر شمولية وبالتالي كان لا بد من التريث ودراسة القانون وميزاته ومحفزاته لتكون الفائدة أعم وأشمل .

خطوات متقدمة

تضيف المهندسة شحود بأن القطاع السياحي في حلب شهد مؤخراً نشاطاً ملحوظاً ومتنامياً وبدعم واهتمام – من وزارة السياحة – لجهة تنظيم آليات العمل وتحفيز المستثمرين في هذا المجال وعلى مستوى جودة المنتج والالتزام بالمعايير والمواصفات والأسعار وبكل ما يتعلق بتطوير العمل السياحي.

مؤشرات

وبينت شحود أنه خلال العام الماضي تم إصدار 65 استمارة تأهيل سياحي لمنشآت من سويات مختلفة وبفعاليات سياحية متنوعة ( فنادق – مطاعم – مطاعم وجبة سريعة- صالات شاي – مقاهي ) ومنح 5 رخص إشادة وتوظيف سياحي لمنشآت إقامة وإطعام وترخيص 10 مكاتب سياحة وسفر جديدة، إضافة إلى تأسيس وإشهار 6 جمعيات سياحية للبدء بإجراءات الترخيص، وكل ذلك يعطي مؤشرات مهمة وإيجابية على استعادة القطاع السياحي في حلب لحيويته ونشاطه.

وبما يخص عمل دائرة القياس والجودة السياحية أوضحت المهندسة شحود أنه يتم متابعة جودة وسلامة الخدمات المقدمة في المنشآت السياحية بالتعاون مع الضابطة العدلية بالمديرية واللجنة المشتركة.

تعديل

أما بخصوص التنمية الإدارية فبينت المهندسة شحود أنه يتم تطبيق برنامج الإصلاح الإداري من حيث تعديل الهيكل الوظيفي للمديرية بمايتوافق مع الهيكل المعتمد لوزارة السياحة، يضاف إلى ذلك مجموعة من الأعمال قامت بها المديرية مؤخراً على مستوى التخطيط السياحي والتسويق والاعلام السياحي والمشاريع السياحية، مشيرة إلى أن العدد الإجمالي لمنشآت الإطعام بلغ حوالي 466، منها مقاه ومطاعم وجبات سريعة وصالات شاي ومسبح وملاهي ومطاعم مصنفة، كما بلغ عدد منشآت المبيت 110 منشأة، منها فنادق 11 فندق تراثي، كما تم تمديد وتحديث نقاط الجذب السياحي والتي بلغت حتى الآن 219 نقطة جذب شملت احداثيات الموقع الجغرافي وصور حديثة للمنشآت ومواقع الجذب ومعلومات عامة عن أسماء المالكين ورقم العقار والتصنيف.

سياحة مؤجلة

وبما يخص إنشاء متنزهات شعبية وفق ما تم إقراره قبل حوالي خمس سنوات بينت المهندسة شحود أنه يتم التنسيق في هذا الشأن مع مجلس مدينة حلب المالك للمواقع التي تم تحديدها، وقد تم اعداد الدراسات والأضابير اللازمة لتنفيذ هذا المشروع وتم مراسلة مجلس المدينة للتصديق والموافقة ومن ثم عرض هذا المشروع ضمن فعاليات الملتقى الاستثماري المقرر عقدت في دمشق، وحتى الآن لم تردنا من المجلس أي موافقة .

بانتظار التنفيذ

من جانبه كشف المهندس ماجد زمار مدير خدمات مركز المدينة والمدير السابق لمديرية خدمات حلب الجديدة عن إعداد دراسة متكاملة لإقامة متنزه شعبي في غابة الأسد المجاورة لمنطقة خان العسل.

ووفق المعلومات فإن الدراسة الفنية تنتظر المصادقة من قبل مجلس المدينة وتأمين الاعتمادات المالية اللازمة للإقلاع بالمشروع والمتوقع أن ينجز خلال مدة ثلاثة أشهر من إعطاء الإذن بالمباشرة.

مشروع حيوي

ونوه زمار بأن المشروع حيوي وله بعد اجتماعي وسيشكل متنفساً حضارياً لأهالي حلب وبديلاً عن التنزه على شريط المحلق الجنوبي، مبيناً أن الدراسة الفنية للمشروع الذي سيشغل نحو 5 هكتارات من الغابة وتستوعب أكثر من / 500 / عائلة راعت كل التفاصيل والمعايير المطلوبة كمنطقة سياحية شعبية، وتشمل الدراسة تنظيم ممرات للمشاة وإنشاء أرصفة وأروقة ومقاعد وحمامات وخزانات ماء وملاعب للأطفال ومطابخ صغيرة ومناقل للشواء وغيرها من الخدمات التي تحتاجها الأسرة خلال التنزه وقضاء أيام العطل .

يشار إلى أن فكرة إقامة متنزهات شعبية تم إقرارها قبل نحو خمسة أعوام وذلك بالتعاون والتنسيق بين مجلس المدينة ووزارة السياحة وحينها تم طرح أربع مواقع في محيط حلب لإنشاء متنزهات شعبية من بينها المتحلق الجنوبي.

أخيراً

ما نود التأكيد عليه هو أن العمل السياحي لا يقوم على جهة محددة دون أخرى، وهو عمل متكامل وتشاركي بين كافة الجهات المعنية وذات الاختصاص، والمطلوب لإنجاح الموسم السياحي الصيفي تكاتف الجهود وتوظيف واستثمار الإمكانات والدعم المتاح في مكانه وزمانه الصحيحين، ودعم المبادرات المجتمعية والأهلية الجدية ذات الطابع الوطني وبما يعزز العملية التنموية والانتاجية ويدفع بحلب نحو النهوض المتوازن والمستدام .