واقعية ومنطقية
علي عبود
لم يجد أصحاب محال بيع الفروج في دمشق سوى الإغلاق لبضعة أيام في نهاية العام الماضي، احتجاجاً على نشرة أسعار وزارة التجارة الداخلية، وهي ردّة فعل غير مسبوقة والذريعة كما أكدوا: لا يمكن أن نخسر!.
قد لا يعترض مربّو الدواجن على البيع بسعر التكلفة أو بأقل منها، كي لا يتعرضوا لخسائر كبيرة، لأن لدورات التربية برامج زمنية يتحتّم بنهايتها استهلاك الفراريج، لكن لا يمكن إرغام المحلات على بيع الفروج بسعر التكلفة، فكيف بأقل منها أي بخسارة؟! وهذا الأمر يقودنا إلى وزارة التجارة الداخلية، فهي إما أنها لا تعرف التكلفة الفعلية للفروج الواحد، وهذه مشكلة، وإما أنها تعرف لكنها تريد أن تساير المستهلك على حساب المنتج والبائع، والمشكلة هنا أكبر وأعظم!.
في الحالتين، سعر الفروج ليس في متناول ملايين الأسر السورية حتى بسعره المخفض في صالات السورية للتجارة، فالوجبة اليومية لأسرة من أربعة أفراد مكوّنها الرئيسي الفروج لا تقلّ تكلفتها عن 30 ألف ليرة، فإذا تكرّرت هذه الوجبة مرة واحدة في الأسبوع فعلى الأسرة إنفاق 120 ألف ليرة شهرياً على أربع وجبات فقط، في حين لم يكن الفروج المشوي أو البروستد يتجاوز 150 ليرة عندما كان أيام زمان أكلة شعبية!!
السؤال: هل ما حصل مع ملايين الأسر السورية في السنوات القليلة الماضية واقعي ومنطقي؟ لقد أعجبني كثيراً ما قاله رئيس لجنة مربّي الدواجن بطرطوس لوزير التجارة الداخلية: لتكن أسعار الفروج واقعية ومنطقية للمربين وللمسالخ وللمستهلك!.
واقعياً..، يمكن بسهولة أن تُعدّل وزارة التجارة نشرة أسعار الفروج لتكون منطقية، أي حسب التكلفة الفعلية مع هامش ربح معقول، أي غير فاحش، وهذا ما فعلته في الأسابيع الأخيرة!.
حسناً..، ماذا عن المستهلك أي ملايين الأسر السورية؟ إن بيع الفروج حتى بسعر التكلفة يفوق بكثير القدرة الشرائية لهذه الملايين، وبالتالي كيف يمكن لوزارة التجارة أن تحدّد سعراً منطقياً وواقعياً يناسب الأسر محدودة الأجر؟.
توجد واقعياً ومنطقياً ثلاث طرق لتوفير الفروج بسعر يناسب دخل ملايين الأسر السورية: الأول: دعم المربين بالمحروقات والأعلاف والأدوية إلى الحدّ الذي يُخفض فيه سعر الفروج إلى مستوى دخل الأسرة، ويبدو أن هذا الخيار غير وارد لأن الحكومة مستمرة برفع أسعار المحروقات والأعلاف، والدعم المقدّم للمربين لايزال أقل بكثير من قدرة ملايين الأسر السورية على شراء الفروج.
الثاني: قيام وزارة التجارة بشراء الفروج مباشرة من المربين وطرحه بأسعار واقعية ومنطقية، أي بما يُناسب دخل ملايين الأسر، وأن تتحمّل الوزارة الخسارة الناجمة عن البيع بأقل من التكلفة الفعلية، لأن السعر الحالي للفروج في صالات السورية هو للمقتدرين وليس لمحدودي الدخل، ويبدو أن الوزارة ليست في وارد تبني هكذا خيار بذريعة أن المستفيد من هكذا دعم سيكون المقتدرين مالياً فقط.
الخيار الثالث: تخصيص أربعة فراريج شهرياً للأسرة السورية عن طريق البطاقة الذكية وبأسعار لا تتجاوز 50% من سعرها في النشرة الرسمية لوزارة التجارة، وهذا الخيار يحقّق فعلياً السعر الواقعي والمنطقي للفروج بما يُناسب دخل ملايين الأسر السورية!.
ونشير هنا إلى أن الهدف الرئيسي للسورية للتجارة هو التدخل الإيجابي لمصلحة محدودي الدخل، وإذا كان من المنطقي أن تربح “السورية” في الكثير من السلع التي تتعامل بها كتاجر مفرق، إلا أن هدفها يبقى أن تؤمّن السلع الأساسية بسعر يناسب الدخل أي بسعر واقعي ومنطقي.
الخلاصة: اقتراح المربين بدعمهم كي يستقر كيلو الفروج الحيّ عند سعر 7 آلاف ليرة ولا يرتفع أكثر فأكثر يناسبهم واقعياً ومنطقياً كي لا يتعرضوا للخسائر ولإغلاق منشآتهم، لكنه لا يناسب ملايين الأسر السورية لا منطقياً ولا واقعياً، ووحدها وزارة التجارة الداخلية بيدها الحلّ الجذري لإعادة الفروج إلى موائد ملايين الأسر السورية ولو مرة واحدة في الأسبوع..، فهل تفعلها؟