زلزلة أوكرانيا
عبد الكريم النّاعم
دخل صديقه وعلى وجهه علامات من الانفعال والحيويّة، وفور جلوسه قال: “هل تتابع ما يجري في أوكرانيا”؟.
أجابه: “وهل هناك مهتمّ بالشأن الوطني أو بالمواقف في العالم لا يتابع هذا”؟.
قال: “هل لديك أية قراءة لهذه المجريات”؟.
أجابه: “لقد أشبعت الفضائيات التي تصلنا، والتي نتابعها، هذا الموضوع، وثمّة جديد في كلّ يوم، بل وثمّة تحوّلات بحسب التطورات السّاعيّة، وأيّاً كانت النتائج، وهي كما أرى، لن تكون إلاّ بما يحقّق أهدافاً روسيّة، إن لم يكن كلّها، فجلّها، فروسيا لم تُقدم على هذه الخطوة إلاّ بعد أن شعرت بالخطر الذي تمثّله حكومة في كييف تطمح إلى أن تكون عضواً في الحلف الأطلسي، وهذا يعني أنّ النفوذ الأمريكي، بما يعنيه من احتمالات لا تُطمئن الروس، وحتى الأسلحة النوويّة ستكون على حدود الروس، فهل تنتظر روسيا حتى ينشب الحريق في بيتها حتى تتحرّك”؟.
قال: “إنّ موسكو الآن تُواجِه أمريكا ومعظم دول أوروبا، وأستراليا، واليابان، ومَن يعتبِر نفسه مُلحقاً في عواصم معروفة بانحيازها للرغبة الأميركيّة، فهل تستطيع مواجهة ذلك كلّه”؟
أجابه: “ليس ما ذكرت فقط، فقد غفلتَ عن ذكر إسرائيل التي كانت حريصة على عدم الاصطدام بروسيا، وهنا من المهمّ أن نذكر أنّ النفوذ الصهيوني في الحكومة الأوكرانيّة التي جاءت بعد الانقلاب الذي دبّرته أمريكا فيها،.. هذا النفوذ كان عالياً، ومهمّاً، وربّما كانت تُراهن عليه تل أبيب في أمور لا تبدو للعيان، وهذا يستحضر موقف أردوغان، الذي لبلاده علاقات اقتصادية مهمّة في روسيا الاتحاديّة، وليس موقفه إلاّ تعبيراً عن حقيقة النوايا غير المُعلَنة تجاه الجارة روسيا، وأنّه لو كان له الخيار والقدرة لَساهم في إضعاف موسكو، فهو لا يتمنّى وجود دولة بالغة القوّة على حدود بلاده، وبينهما تاريخيّاً ما صنع الحدّاد”.
قال: “لا شكّ أن روسيا ستتضرّر، وأنت تتابع إعلان العقوبات من قِبَل الغرب الأمريكي وذيوله، أما كان لروسيا خيار أفضل”؟.
أجابه: “أنا أستنتج من المجريات أنّه لم يكن لدى الروس سوى هذا الخيار، فأنت تذكر أنّ موسكو أعلنت عاصفة السوخوي في سورية عام 2015، وصرّحت بأنها تدافع عن حدود موسكو بعاصفتها تلك، بمعنى أنّ الدواعش والمتشدّدين الدينيين، مدّعي حملة رسالة الإسلام، سوف يُشعلون الحرائق في داخل البيت الروسي، وأنت تذكر ما حدث في الشيشان، وكم كلّف من الجهد والمال والدماء، فالذي يأخذ بمبدأ الاستباق هل ينتظر حتى يشتعل الحريق في بيته إذا كان قادراً على مَنْعه”؟!!.
قال: “والنتيجة”؟..
أجابه: “علينا أن ننتظر، ولكنْ أيّاً تكن فلن تكون إلاّ لمصلحة موسكو، وهذه نقلة ذات دلالات فيما سيكون بعد ذلك، حتى ليمكن القول إنّ ثمّة حدوداً عالميّة في التعامل تُرسم، ولن يكون ما قبل أوكرانيا كما بعدها، ثمّة تجذير للتوجهات الروسيّة الصينية والتي قد تكون بداية أزمنة جديدة لِلَجْم العربدة الأمريكيّة الصهيونيّة، وقد تكون نقطة تحوّل في تشكيل عالم جديد لا تُهيمن عليه واشنطن وأطماعها”.
قال: “وماذا عن أثر ذلك في المنطقة العربيّة”؟.
أجابه: “لا بدّ من الانتظار، ولكنني أرجّح، وأتمنّى، أنْ يكون من نتائجه الإيجابية ما ينعكس لمصلحة مسألتنا الوطنيّة، فـ “تل أبيب” كانت حريصة على ألاّ تصل إلى حدّ ما أعلنت عنه ضد موسكو، وما أظنّ أنّ هذا سيمرّ دون نتائج، والأمر نفسه يمكن أن ينسحب على أردوغان، ولا أقول تركيا، لأنّ أردوغان لا يمثّل جميع التوجّهات السياسية في بلاده كما هو معروف، وعسى أن يكون ذلك بداية لتحرير أرضنا السورية المحتلّة..”.
aaalnaem@gmail.com