جدلية الإعلام والمسؤول
منذ أكثر من خمس سنوات وحتى اللحظة والعلاقة بين المسؤول والإعلام الرسمي، في حلب على وجه التحديد، شائكة ومعقّدة وعلى غير ودّ، وتمرّ في حالة مخاض مستمر وتأرجح دائم، ويشوبها الكثير من الشكوك، وفي كثير من الأحيان تتسم بالتعالي والفوقية والتشنج من قبل بعض المسؤولين الذين يعتقدون أن مهمّة الإعلام هي مجرد “تحصيل حاصل”، ويجب أن تنحصر فقط في تمجيد إنجازاتهم وتلميع صورهم، ودون ذلك يعدّ من المحظورات!.
هذه الجدلية ذات البعد غير المسؤول -إن صح التوصيف- ليست وليدة اللحظة، ولم تظهر على السطح فجأة، بل هي نتيجة طبيعية لحالة غير صحية تنامت واتسعت رقعتها عمودياً وأفقياً خلال الآونة الأخيرة، في ضوء ما شهده الوسط الإعلامي في حلب، وربما في باقي المحافظات، من تسلّل لمن هبّ ودبّ من المتطفلين، وما اعتراه من ضعف ووهن وتلوّن، وهو ما أنتج حالة غير مرضية اتسمت بالفوضى والضجيج يتمّ استثمارها واستغلالها من المتربعين على كراسي الإدارات الذين اعتادوا ودأبوا على حجب المعلومات عن الصحفيين قصداً، في مخالفة صريحة لكل قرارات مجلس الوزراء في هذا الصدد.
لا شكّ أن تهميش العمل الإعلامي الحقيقي واختصاره وربطه بأشخاص مقربين ممن هم في سدة المسؤولية، وتوظيف كل إمكاناتهم وصلاحياتهم الممنوحة لهم لتوسيع الهوة وتعميق الشرخ بين الإعلامي الحقيقي والمسؤول، وبين المواطن من جهة ثانية، انعكس سلباً على أداء ونتاج المؤسّسات الإعلامية والإعلامي على السواء، وبالتالي أضعف دور الإعلام المؤثر كسلطة رابعة في خريطة العمل الوطني التشاركي وخفّف من حضوره وفعاليته الرقابية، والذي أثبتت كلّ التجارب السابقة والحالية أنه -أي الإعلام- أكثر فاعلية وجدوى من الجهات الرقابية الرسمية، كونه يقدّم للمسؤول، أياً كان موقعه، خدمة مجانية لكشف مواقع الخلل والقصور.
ونعتقد أن استمرار الاختلاف في وجهات النظر حول المسألة الإعلامية، واستمرار الخلط في المعايير والدوران في هذه الحلقة المفرغة، سيفاقم من أزمة فقدان الثقة ويضاعف من الإشكاليات والتحديات والمتاعب التي تواجه العمل الإعلامي اليومي. هذا الواقع المأزوم الذي ينسجم ويتسق مع مصالح فردية ونفعية يتطلّب تغييراً في ذهنياته وأدبياته وأخلاقياته، وفي آلية التعاطي مع المسألة الإعلامية برمتها، وبالتالي لابد من العمل على تجسير هذه الفجوة من خلال إيجاد نواظم وضوابط للعلاقة بين الطرفين تحكمها الثقة والاحترام، وتسهم في تهيئة بيئة ناضجة للنقاش والحوار، وبما يغلّب المصلحة العامة على المصالح والمنافع الشخصية الضيّقة. والأهم أن يتحلّى المسؤول بالتواضع، وأن يخفّف ما أمكن من مظاهر البريستيج والبهورة الزائدة والزائفة، وأن يتّسع صدره لأي نقد موضوعي هدفه المصلحة العامة تمثلاً بمقولة (رحم الله من أهدى إليّ عيوبي).
معن الغادري