من آذار الثورة إلى آذار الصمود
أحمد حسن
يعرف الجميع أن تلك اللحظة المحددة من يوم الثامن من آذار عام 1963، بتبعاتها المعروفة والمتمثلة في ترسيخ وجهة سورية القومية والوطنية، كانت هي المقصودة من كل ما واجهته البلاد بعدها، وتحديداً ما حصل خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، بدءاً من مطلع العقد الثاني وحتى الآن.
وبقوة الذكرى والتأثير والإرادة وهمة الرجال – الرجال قاومت تلك اللحظة حرب الإلغاء التي مورست ضدها لتبقى، رغم السنوات العجاف، حية في ضمير شعب قال في ذلك اليوم من عام 1963 كلمته الواضحة والقاطعة ضد الانفصال عن روح المشروع الوطني العربي الخالص الأمر الذي كان سيؤدي حكماً، لولاها، إلى الاستتباع لمشاريع أخرى مشبوهة، لتثمر، تلك اللحظة (لا) مدويّة قُدر لها أن تتكرر في كل عام، منذ ذلك الحين، ضد مشاريع الخارج وخططه وآماله وأوهامه باستباحة بلد رفع أسوار حدوده “من الصدور ..من الصدور فكيف تُكسر؟!”.
بهذا المعنى فإنها، أي تلك اللحظة، وكما في كل عام، لحظة للاستعادة والاستفادة والقراءة والتدقيق، فبعيداً عن كل ما يُقال ويُكتب، يعرف الجميع أن ما حمى سورية من مذلة الالتحاق الذيلي بمشاريع الخارج هو ذلك الخيط الممتد من لحظة آذار الـ 1963 وحتى اليوم، وأن تلك المشاريع – منها مثلاً حلف بغداد – التي واجهها رجال تلك الفترة، هي نفسها التي خرجت، وإن بأشكال وأسماء أخرى، بعد سقوط بغداد ذاتها – مثالها إنذارات كولن باول الشهيرة، وحريق 2011 – وواجهها رجال هذه الفترة بالعنفوان ذاته الذي واجه به أسلافهم سابقاتها، ويعرف الجميع أيضاً، أن صمودهم في وجهها وقدرتهم على اسقاطها، أو على الأقل إفشالها، كان سبباً في اشتداد الحملة على سورية، وكما استند من وقف خلف انفصال “1961” على ثغر داخلية، استند من وقف خلف لحظة 2011 على ثغر داخلية أيضاً لتمرير مشروعهم المعروف ذاته، لذلك تبدو المواجهة، وطرقها، واحدة في الحالتين، وتتمثّل أولاً، ودائماً، بتدعيم بناء القلعة من الداخل وسد الثغر الموجودة في جدرانها، وإذا كان مسار “التدعيم” في المرحلة الأولى استقر على ركائز صلبة، حينها، في عام تشرين 1970، فإن تدعيم قلعة اليوم لايزال مستمراً بانتظار لحظة النهاية، التي بدأت تلوح في الأفق، لكنه، وهذا الفارق مع اللحظة السابقة، يتم وسط أعاصير وأنواء خارجية عنيفة وقاسية جداً لم تعصف بالداخل السوري فقط، بل بالمحيط الإقليمي بكامل مكوناته ومرتكزاته، وتكاد تعصف بالعالم بأسره عبر نذر حرب نووية قد، ونقول قد، تندلع من ثنايا الأزمة في أوكرانيا.
لذلك كله تبدو، اليوم، أحداث وأهداف ورهانات “آذار الثورة” أكثر راهنية وإلحاحاً من ذي قبل، ففي عالم بدأ يتكتل في وحدات سياسية وعسكرية واقتصادية، وإن ليس بالصورة الاتحادية الحديدية، كما تفعل أروبا اليوم مثلاً، تبدو “الوحدة” فرصة عربية وحيدة لخروج العرب من شتاتهم وتبعيتهم .. وضياعهم، وتبدو “الحرية” أسّاً أول لذلك والنافذة الوحيدة لمشاركة الجميع في بناء القلعة وتدعيمها وحمايتها، وتبدو “الاشتراكية” حلاً أوحد لتوزيع عادل، نسبياً، لموارد عالمية تتناقص باستمرار.
خلاصة القول، لحظة آذار أكثر من ذكرى، إنها لحظة راهنة بامتياز، وإن كان لا بد من التأكيد على فارق “طبيعي” بحكم التطور التاريخي، بين آذار اليوم وآذار الأمس، وهو فارق لا يتمثل في صفة العدو ونوعه، وحتى اسمه أحياناً، فهو واحد مهما اختلفت التسميات، بل في شراسته البالغة التي تنعكس في قساوة المرحلة الحالية وتعقدها أكثر من السابقة، لكن العمل مستمر، وإذا كان البناء يحتاج إلى تحسين هنا وسد ثغرة هناك، فتلك حالة طبيعية في عالم الصراع المستمر منذ ذلك “الآذار” وحتى هذا.. والنصر صبر ساعة.00