حفاوة “افتراضية” و”كدمات” واقعية.. و100 دعوى تعنيف في يوم المرأة العالمي!
دمشق- ريم ربيع
يبدو أن صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الشركات “مقتنصة الفرص” هي الوحيدة التي احتفت بالمرأة في عيدها العالمي اليوم، فالخطابات والمعايدات المرهفة التي تغصّ بها المواقع بأنواعها، توحي بأرقى أشكال التعامل والإنصاف للمرأة، وتقدير المجتمع والقوانين لحقوقها ومتطلباتها، أما المتاجر والشركات فقد رأت في هذه اليوم فرصة للعروض و”تحطيم الأسعار” حتى يكتمل دلال المرأة وبريستيجها!.
هذا بالنسبة للفضاء الافتراضي، أما إن توجّهنا إلى أرض الواقع، فالصورة ليست بتلك الجاذبية أمام كمّ هائل من الضغوطات والمسؤوليات الجديدة المترتبة على النساء، في ظل قسوة الظروف المعيشية من جهة، وتكاتف قصور القانون وعصا المجتمع للإجهاز على ما تبقى من فتاتٍ لحقوقها من جهة أخرى.
ورغم أن الأعوام أو الشهور الأخيرة حملت تعديلاتٍ مهمّة في عددٍ لا بأس به من القوانين المتعلقة بالمرأة، ولاسيما قانون الأحوال الشخصية، إلا أن “الطريق لا يزال طويلاً” برأي الحقوقيين للوصول إلى القوانين العصرية الحافظة للحقوق، سواء في قضايا الزواج والطلاق والوصاية والتحرش، أو على أقل تقدير تأمين الحماية الجسدية للمرأة من العنف المنتشر والمتزايد في المجتمع، والذي يبقى في أغلب الأحيان حبيس الأبواب المقفلة خوفاً من الفضيحة وطلباً للسترة.
جهل وخوف
وفيما يعترض “أهل القانون” على غياب قانون موحّد للعنف الأسري يضمن حق النساء في الشكوى والتقاضي، اعتبر رئيس محكمة بداية الجزاء الأول بدمشق القاضي طارق الكردي أن جهل المرأة بالقوانين، والخوف من وقوع الطلاق، ونظرة المجتمع الشرقي لها، غالباً ما تجعلها تعرض عن اللجوء للقضاء، علماً أنه في حال ثبوت الدعوى يحكم القاضي بحبس المعتدي وفق ما يقرّره القانون.
وأشار الكردي إلى وجود أكثر من ١٠٠ دعوى تعنيف أمام محاكم دمشق، فيما ورد لمحكمة بداية الجزاء 8 دعاوى منذ بداية 2022، موضحاً أنه يتمّ تحويل بعض الدعاوى إلى قضاة التحقيق إذا كان العنف المرتكب ضد المرأة قد سبّب عجزاً في وظائف الجسم أو قطع أو استئصال عضو أو تشويه، فيما تنظر الدعاوى أمام محاكم بداية الجزاء إذا كان العنف قد سبّب تعطيلاً عن العمل يتجاوز العشرين يوماً، وفق تقرير الطبيب الشرعي بعد معاينة المصابة، أما إذا كان التعطيل عن العمل أقل من عشرين يوماً فتنظر الدعوى أمام محاكم الصلح.
معنوي!
ومن المفارقات “الغريبة” التي لفتتنا خلال حديث الكردي، أنه في الوقت الذي تعاني فيه مئات النساء من العنف الجسدي المتواصل دون أن يجرؤن على الشكوى، أفرد القانون عقوبات على ممارسة العنف المعنوي، سواء التهديد بكل أنواعه كالإيذاء أو القتل أو فضح أمر معيّن، أو حرمان المرأة من الأولاد أو خطفهم، وتكون العقوبة من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وفق ظروف وملابسات الدعوى، وهو ما اعتبره البعض مادة شكلية في القانون -ليست بالسلبية- غير أنها تكاد لا تظهر.
رادعة
وتتراوح عقوبة العنف التي ينصّ عليها قانون العقوبات الحالي بين الحبس عشرة أيام حتى عشر سنوات، وفق الإصابة وما تخلفه من آثار وفترة التعطيل التي تحتاجها المصابة للشفاء، وشدّد القانون العقوبة في حال كان العنف الذي وقع على المرأة قد تسبّب بإجهاضها إن كانت حاملاً، فيما اعتبر الكردي أن نصوص مواد قانون العقوبات قد غطّت كافة حالات العنف ضد المرأة، وهي عقوبات كافية للردع، إلا أن الإشكالية بضعف الشكوى، سواء من الجهل أو المنع من الأهل أو الخوف من النتائج.
تنازل
ولفت الكردي إلى أن الكثير من الدعاوى بين الأزواج تنتهي بالمصالحة وتسقط الزوجة حقها عن الزوج، مما يحمل القاضي على منح أسباب التخفيف على الزوج ويستبدل عقوبة الحبس بالغرامة المالية، أما إذا لم يكن هناك أي صلح فيحكم القاضي بعد التثبّت من الواقعة بالحبس، كما يحكم للمرأة بتعويض ماليّ لجبر الضرر المادي والمعنوي اللاحق بها، كنفقات العلاج وما إلى ذلك، ويمكن أن يصل التعويض إلى ملايين الليرات السورية وفق الواقع الذي يقدّره القاضي والمستمّد من الفواتير ووصفات الأدوية.
ورأى قاضي بداية الجزاء أن أفضل طريقة للحدّ من حالات العنف هي بنشر الوعي القانوني، وتمكين المرأة من تقديم شكوى بحق من يمارس عليها العنف، فالسكوت المجبر يؤدي إلى تسلط المعنِّفين وتماديهم إن لم يجدوا من يقف بوجههم.
قضايا رأي عام
من جهة أخرى فقد تمكّنت وسائل التواصل الاجتماعي “رغم سلبياتها الكثيرة” من تحريك المياه الراكدة فيما يتعلق بالعنف الأسري، حيث حوّلت عدداً من حالات العنف، وآخرها الجريمة بحق آيات الرفاعي إلى قضايا رأي عام، دفعت نحو إعداد قانون جديد للعنف الأسري يتضمن ضوابط صارمة وآليات شكوى وحماية للمعنّف وللمشتكي، ومن المفترض أن القانون اليوم بمراحله الأخيرة، حسب تصريحات المعنيين!.