ثقافةصحيفة البعث

تيم حسن: لا أحد ينافسني في عشق المعهد المسرحي

بعيداً عن الضجة الإعلامية التي رافقت استضافة المعهد العالي للفنون المسرحية للفنان تيم حسن، ضمن ملتقى الإبداع الذي يقيمه المعهد شهرياً ويديره أ. سعد القاسم، يبقى الكلام الذي تحدث فيه حسن عن المعهد والدور الكبير الذي يؤديه في حياتنا الفنية وأمور أخرى لها علاقة بفن التمثيل هو الأهم بالنسبة للجمهور الكبير الذي حضر اللقاء ولطلاب المعهد بشكل خاص، حيث أكد تيم حسن، الذي تخرّج في المعهد عام 2000 وعاد إليه نجماً، أن المعهد صرح مهمّ وله فضل كبير عليه، وهو المكان الذي لا ينافسه أحد في عشقه، وقد زاد هذا الفضل بالاستقبال المميّز والحفاوة الكبيرة التي قوبل بها من إدارة المعهد وطلابه، متوجهاً للطلاب بالقول: “عدد الذين يتمنون أن يكونوا داخل هذا الصرح مهول جداً، والأسباب كثيرة، أهمها النتائج المهمة التي يحققها المعهد واختلاف آلية التدريس فيه، وطريقة التعاطي مع الطالب وعدد كبير من الفروقات التي تجعله مختلفاً عن أيّ معهد آخر”.

قبل المعهد

وفي حديثه عن فترة ما قبل المعهد لم يدّع حسن أن الرغبة في التمثيل كانت لديه منذ نعومة أظفاره، ولم يخفِ أنه لم يكن هناك أي مقدمات لديه تشير إلى ما ستؤول إليه الأمور بالنسبة له، فالتمثيل لم يكن في حسبانه وهذا ما جعله بعد نيله لشهادة البكالوريا يدرس الحقوق في بيروت، وحين اكتشف والده فشله فيها نصحه بالتوجّه للمعهد العالي للفنون المسرحية بعد أن قرأ في الصحف إعلان الانتساب إليه لعله يفلح فيه، فوافق من أجل والده فقط، لكنه لم يُقبَل في المرة الأولى، حيث كان من بين 30 ممّن قُبلوا في المرحلة الأولى فقط، وخلال هذه المرحلة عاش أجواء المعهد التي جعلته يحب فكرة أن يكون فيه، خاصّةً وأنه قَدِم من دراسة الحقوق التي تضمّ عدداً كبيراً من الطلاب، في حين أن المعهد لا يقبل إلا عدداً محدوداً، وهذا ما أعجبه كثيراً، فأصبح لديه إصرار ليكون من بين طلابه، فكانت المحاولة الثانية، وهو اليوم يرى أنه لولا هذا الرفض الذي قوبِل به في المرة الأولى لما تولّدت لديه رغبة في تطوير نفسه أكثر، ليكون أمام لجنة كان يترأسها صلحي الوادي وعضوية غازي الخالدي ومجموعة مهمّة من المسرحيين، ورأى حينها أن هذا التنوّع في اللجنة من خلال الشخصيات المهمّة أكد له أنه أمام حالة مختلفة عن كل المعاهد الأخرى، موضحاً أن دفعته كانت سيئة الحظ، حيث اقتصرتْ عروضها – لظروف مختلفة – على تقديمها أمام بعض الأساتذة، واستمرّ سوء الحظ حتى السنة الرابعة حين اضطر بالاتفاق مع المُشرف على مشروع تخرّجه الفنان جهاد سعد ولظرف مرّ به اختصار دوره من مونولوجات طويلة إلى جملتين، منوهاً بأن زملاءه في الدفعة مدينون له بواحد من العروض التي أُتيح أن يُشاهدها الجمهور، وهو عرض يقوم على التقليد الذي كان يُتقنه حسن في مرحلة مبكرة من حياته، فقام بتقليد أساتذة المعهد: صلحي الوادي، غسان مسعود، غسان جباعي، وليد الدبس، نبيل الحفّار، بالإضافة إلى الفنان خالد تاجا وقد تفاعل الجمهور معه بشكل كبير.

الموهبة في غير مكانها

توقّف تيم حسن في حديثه مع الطلاب مليّاً عند مسألة التقليد التي برع بها في بداياته في المعهد، مؤكداً أن التقليد مسألة ضارّة جداً، فقد اكتشف ذلك عندما قرر ذات يوم أن يُقدّم مشهداً فيه عمل على التفاصيل وهو أقرب إلى التراجيديا، وعندما انتهى فوجئ بأن من شاهده من الأصدقاء ربط بين ما قدّمه وما كان يقوم به على صعيد التقليد، لذلك قرّر أن يتوقف نهائياً عن هذا الأمر، وإن كان الرابط بينهما برأيه موجود، إلا أنه في كثير من الأحيان غير مفيد للتمثيل، حيث يكفي فيه تفصيل أو اثنين يتقنهما المقلّد، أو الارتكاز على أشياء أقلّ مما يتعلّمه الممثل خلال مسار الدراسة في المعهد، في حين أنّ التمثيل تدخل فيه عناصر أخرى، أهمّها الإحساس والروح، ويقوم على ركائز لها علاقة ببناء الشخصية ومحاولة فهمها والاقتراب منها والقيام بدراسة تفصيليّة للحالة العصبية والوجدانية والنفسية للشخصية، مع تأكيده أن الممثل عندما يحاول أن يخرج من الشخصيات التي اعتاد على تقليدها سيبذل جهداً كبيراً حتى يتخلّص منها، وسيدخل في معمعة لأنه أنفق الموهبة في غير مكانها، لذلك توقف عن التقليد وأصبح شكلاً مختلفاً لديه، لتصبح المعالجة لمصلحة الشخصيات.

 ثانوي في المسرح

لم يقع تيم حسن في فخ التبرير الذي نسمعه من بعض الفنانين حول أسباب ابتعادهم عن المسرح، معترفاً بتقصيره تجاه هذا الفن، وأن انشغالاته التلفزيونيّة وضعته على سكّة تتتالى فيها الأعمال، متمنياً من الجمهور أن يلتمس العذر له لأن العمل في التلفزيون مطحنة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه لم يتلقَّ ولا دعوة للعمل في المسرح في سوريّة رغم أنه دُعي للعمل في المسرح المصري، مبيّناً للطلّاب أنه عَمِل في المسرح ممثلاً ثانوياً لمدة سنة بعد رفضه في المرة الأولى من قبل المعهد وفي عدّة مسرحيات: “الغول، الطيب والشريرة والجميلة، ماكبث”، كما عمل مدير منصّة في مشروع تخرج أشرف عليه أ. غسان مسعود، ومديراً للإضاءة في مسرحية للمخرج فيصل الراشد تمّ عرضها في مدينة درعا، ولم يتردّد حسن بالقول إنه عاش في سراديب المسرح وعمل فيه بكل الاختصاصات، وهو يعتبر هذه المرحلة مهمّة في حياته ويعتز بها، وأن ما استنتجه خلال وجوده في كواليس المسرح أن المسرح كان منذ ذلك الوقت يعاني من مشكلات كثيرة، في مقدّمتها مسألة الأجور بالتزامن مع صعود الدراما التلفزيونية التي استقطبت الجميع ومازالت، لكن وعلى الرغم من ذلك عبّر عن تفاؤله أنه سيأتي وقت من الأوقات سينشط فيه المسرح الذي يتراجع في كل مكان.

بطل في الأعمال التاريخية

وبيّن تيم حسن في حديثه أن ظروف ما بعد التخرج كانت بالنسبة له استثنائية، فالمخرج حاتم علي ومنذ السنة الثالثة اختاره لأداء دور الجرو في المسلسل الشهير “الزير سالم” كتابة ممدوح عدوان، ليبدأ معه بعد التخرج رحلة طويلة في أعمال مهمّة كـ “صقر قريش”، و”ربيع قرطبة”، و”ملوك الطوائف”، والتي حققت له شهرة كبيرة، ورأى أن أهم ما ميّز هذه الأعمال أنها كانت مكتوبة بشكل جيد وساهمت في نهضة الدراما السوريّة، موضحاً أن الدراما التاريخيّة تسحب الممثل باتّجاه منطقة متكلّسة تعتمد على الحفظ واللغة العربية وعلى لباس يشعر الجمهور من خلاله بوجود ما هو ناقص، لذلك حين جسّد شخصية الوليد بن يزيد في “صقر قريش” أرضى أداؤه المخرج حاتم علي حين حاول قدر الإمكان أن يطوّع الشخصية التاريخية لتصبح مرنة، وهذا احتاج منه ليالي طويلة من التحضير، لتقديمها بشكلٍ إنساني وليس بشكل متحفي، وهذا ما نوّه به المخرج حاتم علي الذي أوكل إليه فيما بعد تجسيد شخصية الملك فاروق، مؤكداً – وهو الذي تنقل بين الأعمال السوريّة والمصريّة ومن ثم الأعمال المشتركة – وجود اختلافات في آليات العمل بين سورية ومصر، أو في أيّ بلدٍ آخر، إلا أن عناية الممثل بالدور ومحاولة فهمه له والاقتراب منه وكيفية تصديره هي واحدة، مشيراً إلى أنه قدّم العديد من الشخصيات التي تنوّعت بين الخير والشر وما بينهما، إلا أنه لا يؤمن بتماهي الممثل مع الشخصية كما يدّعي بعض الفنانين، وهو ليس مع هذا الأمر ولا يصدّقه، لأن ظروف التمثيل تمنع الممثل من الاندماج الكلي مع الشخصية، لأنه يجب أن يكون مدركاً لكل ما يحيط به، لذلك هو يؤمن أن التمثيل هو اللعب ويحتاج إلى تحضيرٍ جيّد والاستسلام للحالة الانفعاليّة التي يجب أن تصل بشكلٍ جيد، لكنه ليس من أصحاب نظريّة تماهي الفنان مع الشخصية.

مشروع كوميدي لم يرَ النور بعد

يميل تيم حسن إلى الكوميديا كما بدا واضحاً من كلامه عن بداياته في المعهد، إلا أن الظروف حتى الآن لم تكشف عن هذه الموهبة التي يتمتّع بها، رغم تأكيده أن هناك مشروعاً تمّ الحديث فيه منذ سنوات مع الليث حجو مخرجاً وممدوح حمادة كاتباً، إلا أنه لم يرَ النور حتى الآن لظروف عديدة، مع تأكيده أهمية انتقاء العمل الكوميدي بحذر، وقناعته أن الظروف الحالية غير مناسبة للعمل الكوميدي الذي يحتاج إلى مزاج عام للجمهور بتقبل هذه الأعمال، ومزاج خاص للممثل بحيث يكون مقتنعاً بما يقدمه، ومع هذا لم ينفِ إمكانية تنفيذ مشروعه مع الليث حجو في الوقت المناسب.

وختم تيم حسن حديثه بأنه ليس هناك شخصية معيّنة ما زال يحلم بأدائها، مؤكداً أن كل ما كان يحلم به في المعهد أن تأتيه فرصة في أيّ عمل، وقد كان هذا حلماً من الأحلام التي يحلم بها، ولكن شاءت الظروف أن يُقدّم أدواراً تاريخية مع المخرج حاتم علي، وهي فرص لم يكن يحلم بها أبداً ولم يكن بباله تجسيد تلك الشخصيات التي قدّمها، موضحاً أن الممثل أحياناً يخطّط ويحلم ويتمنى، إلا أن المصادفات أحياناً تحقق له مالم يحلم به، منوهاً بأنه في بداياته كان الرّفض في دخول المعهد العالي هو الذي منحه الطاقة للاستمرار، أما اليوم فالذي يمنحه ذلك هو الرغبة الدائمة في تحدّي الذات وتقديم ما هو متنوّع واختيار ما هو مختلف، وهذا تحدّ كبير بالنسبة لأي ممثل.

أمينة عباس