الكاتب الناقد والناقد الأدبي
سلوى عباس
تباينت الآراء ووجهات النظر حول النقد بكل مجالاته، سواء النقد الفني أم الأدبي أو الثقافي، حيث هناك شبه إجماع على عدم وجود نقد، وحول ذلك يقول أوسكار وايلد: الناقد فنان فاشل، وهذا الرأي ناتج عن الحساسية الفنية بين الناقد والكاتب والمبدع، لكن ما يجب الحديث فيه هو ضرورة أن يكون هناك حركة نقدية كاملة يفترض أن تواكب جيلاً بأكمله، وهنا يحضرني حديث لأحد الكتّاب من جيل الستينيات يشكو من غياب النقد، إذ قال: “نحن جيل بدون نقاد وتحديداً من جيلنا، وربما الخلل الأساسي يكمن في جيلنا نفسه، فحتى الآن النقاد الموجودون من جيلنا يذهبون للأمكنة المضمونة والمأمونة، فأنا قبل عشر سنوات لم أكن شخصياً مضموناً لأي ناقد يمكن أن ينشر بحثاً عن رواياتي، وهذا موجود ربما لدينا نحن كعرب، فمسألة غياب النقد تزيد توتر وحدّة أي جيل تجاه النقد”.
كذلك هناك إجماع وشكوى – وتحديداً منذ بداية هذا القرن – من عدم وجود نقد يواكب الحركة الإبداعية، وأن الناقد المتمرس وجوده نادر الآن، وأن النقاد ينصبون أنفسهم قضاة للمبدعين، وهؤلاء القضاة منهم المتحيّز والمنصف والمضلل، حتى أنه يمكن القول بعدم وجود عدالة في النقد الأدبي، والناقد الحقيقي هو الذي يلمّ بالنقد الأدبي والصحفي، والأكاديمي، والفلسفي، والجمالي والانطباعي والبنيوي، حتى يستحق لقب ناقد.
أيضاً وانطلاقاً من رؤية الكاتب النقدية لنصوصه يحقّ لنا أن نتساءل: إلى أي مدى يمكننا المقارنة ما بين هذه الرؤية والرؤية النقدية الأخرى، بمعنى ما هي الفروقات بين الناقد الخارجي لإبداع الكاتب وبين رؤيته هو لهذا الإبداع، ليعيدنا هذا الكلام إلى القراءات المختلفة للنص الواحد، خاصة وأن كل قراءة للنص هي إعادة خلق أخرى، والكاتب عندما يعيد قراءة نصه أياً كان نوعه (قصة أو رواية أو شعر)، سيتكشف له شيء ما أو إحساس معيّن يكون غريباً عنه نوعاً ما.
وبما أن الكتابة بحدّ ذاتها موقف نقدي، هل يستطيع الكاتب وتحديداً الروائي -باعتبار أن الرواية تحتمل كنوع أدبي الخضوع للنقد أكثر من غيرها من الأنواع الأخرى-، هل يمكن للكاتب أن يكون أثناء الكتابة ناقداً لما يكتب، فباعتباره القارئ الأول لنصه يفترض أنه الأقدر على امتلاك أدواته النقدية بعيداً عمّا يمكن أن يقدمه النقاد الآخرون لنصه الأدبي، وعلى الأغلب عبر آلية الكتابة يعيد قراءة ما كتبه حتى على صعيد الفقرة أو النص، فيحاول أن يخرج من نفسه ككاتب ويصل إلى حدّ القارئ الناقد، وبالتالي يكون الناقد الأول لنفسه أحياناً يحذف، وأحياناً يستمر، وأحياناً أخرى يترك الكتابة لفترة لكي يكون أكثر قدرة على الحكم، فالممارسة الروائية للنقد تتمّ عبر اشتغال الروائي بنقد عمله الروائي، أو بما يتخاطب مع هذه الرواية من النقد، وهذا الكلام لا يقصد منه استغناء الكاتب عن الناقد أبداً، كذلك ليس كل روائي مطالباً أن يكون ناقداً، لكنه مطالب بأن يفهم بفن الرواية، وعليه أن يكون مختزناً لكل ما أنجزه العقل البشري من خبرات جمالية ومعرفية وعلوم ورؤى فكرية وفلسفية للحياة، وبالتالي لابد له من أن يختبر جميع هذه الأدوات وهذه المقولات لخدمة مشروعه الروائي أولاً وأخيراً، وعلى المستوى العالمي عبر تاريخ الأدب هناك دائماً المبدع الناقد كما هناك ناقد فقط ومبدع فقط، والمطلوب من أيّ منهما أن يكون متمتعاً بذوق وحسّ فني سليم يستطيع من خلاله التمييز بين أدب جيد وأدب رديء.