في ظل الإجراءات الرخوة المواطن “الحلبي” يتألم بين مطرقة الأسعار الملتهبة وسندان حيتان السوق..!.
حلب – معن الغادري
في ظل الارتفاع اللحظي للأسعار على وقع تداعيات العملية العسكرية في الأوكرانية، فقد ذوو الدخل المحدود والمتوسط الحيلة في تدبر أحوالهم وأوضاعهم المتأزمة أصلاً، وضاقت خياراتهم في تأمين الحد الأدنى من متطلباتهم واحتياجاتهم اليومية، خاصة في هذا الفصل من فصول السنة والذي يستنفذ معظم مدخرات الأسرة ويضاعف أعبائها واحتياجاتها الضرورية والأساسية من مستلزمات التدفئة ومادة الغاز المنزلي، بالإضافة إلى المصاريف والنفقات الأخرى من احتياجات الدراسة والاستطباب والطعام واللباس وغيرها من الأمور المتعلقة بأفراد الأسرة.
ولعل أكثر ما يقلق رب الأسرة هو فوضى الأسواق والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والخضار والفواكه واللحوم وغيرها من المواد الأساسية اليومية، وعدم قدرته على تأمين لقمة عيشه.
أما المشكلة الأكبر والأساس في هذه القضية فتتجلى وبوضوح في حالة الاستغلال التي يمارسها المتحكمون في السوق من قبل كبار التجار، والتي تواجه بحزم وصرامة من قبل حماية المستهلك وفق ما أكده المهندس أحمد سنكري مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظة لـ”البعث”، إلا أنه وحسب رأي الكثيرين ما يزال الوضع بحاجة إلى إجراءات أكثر صرامة وحدة لوقف الانفلات غير المسبوق في الأسعار، ولوضع حد لحالة الجشع والاستغلال والاحتكار والغش والتدليس، وتضييق الخناق على حيتان ومرتزقة الأزمات الذين يمتهنون الغش ويمارسون أبشع الطرق والأساليب دون أي وازع أخلاقي أو إنساني للتحكم بمقدرات البلد وبقوت المواطن.
فوق “الموتة عصة قبر”
يقول أبو عثمان وهو موظف على مشارف التقاعد – فوق الموتة عصة قبر – عائلتي مؤلفة من سبعة أشخاص وراتبي التقاعد لا يكفيني لأسبوع من أسبوع في أحسن الأحوال فكيف لي ولأسرتي تدبر باقي أيام الشهر، فيما أبو محمود يعمل في مجال الصيانة الميكانيكية يشير إلى أن دخله اليومي لا يكفي لتأمين وجبة وحيدة لأسرته المؤلفة من أربعة أشخاص، وهو ليس لديه دخل مادي ثابت، والأسعار في ارتفاع حاد ودون أي ضوابط من قبل حماية المستهلك أو من قبل التجار الذين يتحكمون بالسوق وفق مزاجهم وبلا أي رحمة، أما أم عمر المرأة الستينية اختصرت مشكلاتها وهمومها بعدم استطاعتها على شراء عبوة زيت نباتي واحدة بعد أن وصل سعرها إلى 13 ألف ليرة، وأضافت: الأسعار مرتفعة جداً وميزانيتنا لا تحتمل أكثر من أسبوعين، وهناك الكثير من الأمور والاحتياجات تم الاستغناء عنها كاللحوم التي بلغ سعر الكيلو الواحد أكثر من /30/ ألف ليرة إضافة إلى اللحم الأبيض والأجبان والألبان والبيض والخضار والفواكه وغيرها من المواد والمستلزمات التي لم نعد نستطيع ابتياعها لغلائها ولعدم قدرتنا على اقتنائها!.
وشكا أسامة /طالب جامعي/ أن ظروف أسرته لا تسمح بتأمين مصاريف دراسته، مما اضطره للبحث عن أي عمل لتأمين متطلبات واحتياجات دراسته إلى جانب مساعدة أسرته للتخفيف ما أمكن من الأعباء الكبيرة التي يتحملها والده في سبيل أن يؤمن ضروريات العيش اليومية، وما ينسحب على الطالب أسامة ينطبق على الكثيرين من الطلاب، الذين يتابعون دراستهم ويحاولون تأمين فرصة عمل تعينهم على تأمين احتياجاتهم.
المشكلة أخلاقية
علاء الدين مؤذن رئيس المكتب المختص في المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حلب أوضح أن المسألة أخلاقية قبل أن تكون قانونية وإجرائية، وهناك مجموعات دأبت على استغلال الأزمات دون أي رادع أخلاقي على حساب المواطن، مشيراً إلى محاولة المكتب -من خلال المتابعة اليومية لحركة السوق وتنشيط عمل اللجان المشتركة الخاصة- بضبط إيقاع السوق ووقف ارتفاع الأسعار، ولافتاً إلى أن التركيز حالياً يتجه نحو تجار الجملة للتأكد من مخازينهم والتدقيق في فواتيرهم وكافة عمليات التوريد والبيع والشراء لمنع احتكار أي مادة، وهناك مخالفات عدة تم ضبطها مؤخراً وإحالة مرتكبيها إلى القضاء وفق المرسوم 8، مؤكداً أن العمل لن يتوقف وسيستمر على مدار الساعة لرصد وضبط أي مخالفة تخل بميزان السوق، وأشار مؤذن إلى أن المهمة صعبة وتتطلب تعاوناً من كافة الجهات المعنية ومن المواطنين تحديداً بعدم السكوت عن حقهم والإبلاغ فوراً عن أي حالة غبن أو غش يتعرضون لها.
حماة المستهلك!!
مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في مديرية التجارة الداخلية بحلب أحمد سنكري أشار إلى أن المديرية تعمل ضمن طاقتها القصوى والإمكانات المتاحة عبر دورياتها المنتشرة في المدينة وفي مناطق الريف والتي تبلغ حوالي / 18/ دورية تموينية و تقوم بمهامها بشكل يومي على مستوى المحافظة لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار، وتنظيم الضبوط بحق المخالفين سواء من بائعي المفرق أو الجملة، لافتاً إلى رصد عدة مخازن ومواقع لبائعي الجملة في حي القبة وتم تنظيم 12 ضبطاً بحق المخالفين منهم، مؤكداً أنه ليس هناك أي تهاون مع حالات الغش ومع المخالفات المرتكبة، وأن الدوريات الرقابية تعمل على مدار الساعة، وبالرغم من قلة عدد المراقبين وعدم توفر وسائط النقل، إلا أن هذه الدوريات تغطي المدينة وتقوم بمهامها على أكمل وجه، داعياً المواطنين إلى التعاون والإبلاغ عن أي محاولة غش أو مخالفة ليتم معالجتها فوراً، وفي حديث الأرقام بين المهندس سنكري أن إجمالي عدد الضبوط خلال الشهر الماضي – شباط – بلغ 622 ضبطاً وإغلاق 24 محلاً وسحب 60 عينة وتم المصالحة على 257 ضبطاً، ومنذ بداية الشهر الحالي ولغاية السادس منه تم تنظيم ٧١ ضبطاً عدلياً لمخالفات متنوعة منها عدم إبراز فواتير لتجار الجملة وبائعي المفرق والبيع بسعر زائد على المواد الغذائية وتقاضي أجوراً زائدة عن بدل أداء الخدمات للامبيرات وكذلك تم سحب 10 عينات مواد غذائية للتأكد من مطابقتها للمواصفات .
دعم إيجابي!
في إطار الجهود المبذولة لإحداث حالة من التوازن الايجابي في السوق وفي عملية العرض والطلب وتوفير المستلزمات والاحتياجات الأساسية بأسعار مدروسة ومنطقية، يشير طلال فاعور مدير فرع السورية للتجارة بحلب إلى أن فروع ومنافذ المؤسسة تسعى جاهدة لتأمين كل مستلزمات الأسرة بأسعار أقل من السوق بنسب مقبولة تزيد عن %30، موضحاً أن امتناع البعض من تجار الجملة من البيع وفق فواتير نظامية يؤثر سلباً على الأسعار وعلى تأمين المواد الأساسية وعلى أداء المؤسسة بشكل عام، وبما يخص بيع مواد السكر والرز عن طريق بالبطاقة الذكية أوضح مسلم أنه تم البدء بتوزيع مخصصات الدورة الثانية والمواد متوفرة في مافة فروع المؤسسة، مبيناً أن عملية التوزيع مرنة وسلسة وفور وصول الكميات المقررة من الزيوت النباتية سيتم توزيعها فوراً على المواطنين وفق تعليمات الوزارة .
ختاماً …
ما تقدم من عرض لحال المواطن ولواقع السوق والأسعار الملتهبة نجد أن المواطن هو المتضرر الوحيد من هذا الوضع المتأزم وما يزال يعيش بين مطرقة الأسعار الملتهبة وسندان القرارات الرخوة وغير المجدية والتي أدت إلى تفاقم الأزمات اليومية، ما يدفعنا إلى المطالبة مجدداً بضرورة البحث عن حلول عاجلة واستثنائية للتخفيف من معاناته اليومية، والأهم إعادة النظر بهيكلية المؤسسات المعنية ومهامها وصلاحياتها واتخاذ كل ما يلزم لضبط حركة الأسواق وتضييق الخناق على المتحكمين والمتلاعبين بقوت المواطن، وهو ما نضعه برسم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمعنيين في حلب لفك وحل لغز هذا الملف الشائك!.