“الامتحان الوطني” لخريجي الحقوق يثير الجدل.. و”أهل الكار”: لن يضيف شيئاً والفساد لن يختفي!
دمشق- لينا عدره
في الوقت الذي يثير فيه الحديث جدلاً واسعاً حول مُقترح قُدّمَ مؤخراً حول إجراء الامتحان وطني في كلية الحقوق في جامعة دمشق، لم يشأ عميد الكلية الحديث في هذا الموضوع، وبدا هذا الأمر واضحاً بعد “تهرّبه” من لقاءنا رغم تحديد موعد معه، ليتصدى للحديث عن الموضوع أ. د. في كلية الحقوق محمد الحسين رئيس مجلس الدولة السابق، والذي أبدى تحفظه الشديد على هذا المقترح معتبراً أنه أمرٌ مستغرب ومستهجن في جامعة عريقة كجامعة دمشق، متسائلاً: كيف يمكننا إنجاز امتحان وطني في كلية نظرية..؟
ولكونه “لا يحب الترقيع” على حد تعبيره، رأى الحسين “أن الأمر واضح وجليّ، فإذا كانت الغاية من الامتحان الوطني هي تجاوز الفساد الحاصل، فإن هذا الفساد لم ولن يختفي ما دمنا لا نشير بالإصبع إلى الشخص المسؤول عنه بالذات.. ونحن سنخسر مهما فعلنا إذا لم نعمل على إيجاد رقابة موضوعية، ولم نحافظ على كرامة الأستاذ الجامعي، لذلك ليس مستغرباً ولا مستبعداً أيضاً أن يتمّ تسريب أسئلة الامتحان الوطني..!”.
وأضاف الحسين أنه عندما كان النظام التعليمي يعتمد، في السابق، على نظام الدورات، كان الطالب الجامعي يدرس بشكلٍ متواصل من الشهر التاسع إلى الشهر السادس، ما يساعده على التخمّر علمياً، وبالتالي امتلاك خزينة علمية. أما اليوم فنحن أمام امتحان كلّ شهرين، مع نسب دوامٍ منخفضة، ليكون الشغل الشاغل للطلاب هو تقديم المادة للنجاح فيها ومن ثم نسيان كلّ ما حُفِظ بعدها، أي “نقرأ لننجح ومن ثم ننسى”..! مبيناً أنه يتوجّب علينا وعوضاً عن الترقيع وتهجين الأشياء تسمية الأمور بمسمياتها، وإعادة النظر وبشكلٍ كليٍّ بالعملية التدريسية في الجامعات.
ودعا الحسين، لدى اتخاذ أي خطوة جديدة، إلى السؤال عن القيمة المضافة من اتخاذها؟ وحقيقة الأمر أنه لن يكون هناك أي قيمة مضافة من هكذا امتحان في حال أُقِّرَ طبعاً”!!. ولفت الحسين إلى أن خريجي الحقوق “وهم من الفئة الأولى”، وفي حال تقدمهم لوظيفة عامة، لن يتعيّنوا إلا بعد مسابقة وإجراء امتحان، والأمر نفسه ينسحب على من سيسلكون سلك القضاء بشقيه “المدني والعسكري”، والذين سيخضعون أيضاً لامتحان ومقابلات، إضافة لامتحان النقابة، والامتحان الوطني لن يضيف شيئاً، وربما يمكن إنجازه في الجامعات الخاصة. مؤكداً في هذا السياق أنه من غير المنطقي القول لمن حصل على شهادة من جامعة عريقة، وأصبحت حقاً مكتسباً له، أننا لن نتمكن من تعيينك إلا بعد الامتحان الوطني! وبالتالي، فنحن أمام أمرين اثنين:
الأول هو العودة إلى النظام التقليدي في الأسئلة، مهما كانت طبيعتها، وترك الأمر للأستاذ الجامعي الذي يحتاج للتقدير والاحترام، ولرقابة موضوعية في كل شيء، والابتعاد عن نظام الأتمتة المتّبع الذي قد يكون ممكنا في الكليات العلمية، ولكنه غير مجدٍ لطالب الحقوق الذي يحتاج إلى ملكة الكتابة والتفكير والتحليل..!.
والأمر الآخر يتعلق بإعادة النظر بعملية الامتحانات، لأن النظام الفصلي لم يقدم أي شيء إيجابي، ويتوجب علينا العودة لنظام الدورات ليأخذ الطالب الوقت الكافي لتحضير مادته، وفي الوقت نفسه تكون نوعية الخريجين مختلفة، موضحاً أنه لا يقصد من ذلك الحطَّ من قدر الخريجين المتميزين، بل يتحدث بشكل عام.
وقال الحسين: غالباً ما نسمع، وفي أوساطٍ مختلفة، عن فساد قوي في كلية “الحقوق”، علماً أنها كلية حقوق!! إلا أنني أريد أن أصحّح المعلومة، فأولاً الكلية نظرية وعدد الطلاب كبير جداً، وعند الحديث عن أرقام أو نسب للفساد في الكليات بشكلٍ عام، ستُظهِرُ كلية الحقوق أعلى نسبة، إلا أن الأمر غير صحيح، لأن الطبيعي أن يتناسب الرقم طرداً مع أعداد الطلاب ما يجعل المعدل كبيرا، وهنا لن ندّعي أننا ملائكة، فوجود أستاذ فاسد لا يتعدى كونه جسماً غريباً، وعلينا بالتالي عند تصويب الخطأ أن نشير بالإصبع إلى زاوية الخطأ، ونعرف تماماً من هم الأشخاص المعنيون، لأن من غير المقبول أبداً أن أحضر أصحاب الكرامات وأهينهم جميعاً، حسب تعبيره!!
وأضاف: إذا أردنا تحسين مستوى التعليم، لا يمكن اعتبار هذا الموضوع كمعيار لاتخاذ قرار، لذا يتوجب تفعيل رقابة سابقة ورقابة مرافقة ولاحقة على كل هذه التصرفات، إضافةً إلى رقابة إدارية على الطاقم الإداري، ويتوجب على المعنيين عند تعيين الأشخاص على رأس أي مفصل من مفاصل الإدارة أن يبتعدوا عن الشخصنة، لأن التعيينات والاختيارات في الجامعة يجب أن تكون عملية موضوعية وعقلانية، وأن يكون هناك حوكمة، إضافةً لاتباع معايير ومقاييس خاصة لمن يشغل وظائف إدارية وعلمية معاً، لأنها ستخفّف كثيراً من حالات الفساد. مختتماً بأن مقترح الامتحان الوطني يحتاج إلى التروي والدراسة لاتخاذه، متمنياً على القيّمين والمعنيين التفكير بالأستاذ الجامعي وبسبل معيشته، إذا ما أرادوا الحفاظ عليه ومساعدته، لأن الطبيعي أن تكون رواتب وتعويضات القضاة وأساتذة الجامعة أكثر مما هي عليه من أجل التقليل من عملية هدر الكرامات، على حدّ تعبيره!!.