“التزييف العميق”.. تلاعب سياسي للتأثير على الرأي العام
رغد خضور
لا تصدّق كل ما تراه، فحتى العين قد تكون خادعة، ربما يكون هذا الأمر صادماً للبعض لكنه بات واقعاً لا يمكن تجاهله مع كل ما يشهده العالم اليوم من تحريف وتزييف تتطور وسائله وأساليبه بشكل خطير، فكل شيء أصبح موضع شك وعدم تصديق.
ومع زيادة حملات التضليل عبر المنصات الرقمية، أصبح بالإمكان إضافة مقاطع فيديو مزورة أو محرفة إلى سلسة الأخبار الوهمية التي يتم تداولها، تكسبها نوعاً من المصداقية، عبر تقنية يطلق عليها اسم “التزييف العميق” أو “DEEPFAKE”، والتي جعلت من الممكن القيام بأمور كنا نحسبها قبل ذلك مستحيلة.
هذه التقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنشاء فيديوهات جديدة من صور ومقاطع وأصوات موجودة مسبقاً، من خلال التعديل عليها وإضافة كلمات وحذف أخرى فينتج عنها مقطع لشخصية معينة تتصرف بطريقة لا يمكن أن تحدث عادة، وتقول أشياء من غير الممكن أن تتفوه بها بالواقع، ورأيناها كثيراً خلال السنوات الأخيرة ضمن عالم السينما والمشاهير.
“التزييف العميق” نقل الخيال الذي كنا نراه في الأفلام إلى الواقع بطريقة مخيفة لا يمكن التنبؤ بعواقبها، خاصة وأنه دخل الميدان السياسي، ولو من باب الفكاهة بداية، إلا أن الأمر قد يتجاوز ذلك فيما بعد، فهناك توجس عالمي من احتمالات استخدامها في التلاعب السياسي وتقويض الحقيقة والعدالة والتأثير على الرأي العام، إذ من الصعب حتى الآن التحقق من زيف هذه المقاطع، وحتى لو كان ذلك ممكناً إلا أنه يحتاج وقتاً طويلاً لإثباته.
ويصنف باحثون وخبراء المحتوى المقدم عبر هذه التقنية باعتباره الاستخدام الأكثر إثارة للقلق من بين استخدامات الذكاء الاصطناعي، كون التقنية تعمل وفق آلية التعلم الذاتي وبالتالي فإنها تطور نفسها باستمرار متداركة كل الأخطاء السابقة، وعليه قد تصل في القريب إلى مرحلة من التزييف يصعب اكتشافها، ومع قصور وسائل الكشف عنه ستتسبّب المقاطع التي تنتجها بتغيير مسارات عديدة على ساحة الأحداث الدولية العالمية.
وفي ظل هذه التكنولوجيا المرعبة، سيكون العالم أمام جيل جديد من الحروب، تتضاءل فيه أهمية الحقيقة، بل ستصبح متعددة وقابلة للتأويل، نختار منها ما يتسق وأفكارنا وقناعاتنا المسبقة، لذا نرى توجهاً عالمياً للتسلح ضد هذه التقنية، التي تتحسّن بوتيرة مذهلة، واحتوائها، وعليه فإن وسائل الكشف عن التزييف يجب أن تجاريها أو تسبقها بخطوة إن لم نقل بخطوات، فالمخاطر المنضوية عليها أكبر بكثير من محاسنها.
سيتلبس الشك حواسنا، وتصبح الحقيقة ذاتها موضعاً للشكوك، ويجد المتلقون أنفسهم في عاصفة من التضليل، فاقدين القدرة على معرفة أين تكمن الحقيقة وأين الكذب، وستعتري تجربة الأفراد مع الواقع هشاشة غير مسبوقة، فضلاً عن أن الأثر الذي يتركه الخداع لا يختفي حتى بعد كشف الحقائق.
ولمكافحة هذا الطوفان من الأخبار الكاذبة، فإن وسائل الكشف عن التزييف تعدّ جزءاً من الحل فقط، وما يتطلبه الأمر هو مزيج من الدفاع التكنولوجي والوعي المجتمعي، وبعدم الانسياق خلف كل ما يُبث بحيث يصبح الشك “الصحي” أسلوباً ومنهجية عمل للبحث عن الحقيقة دون أن يؤثر عليها.