“الناتو” وراء الحرب بين روسيا وأوكرانيا
هناء شروف
يتابع العالم بأسره تفاصيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ويتمّ نشر معلومات مضللة في كل منعطف بفضل حرب المعلومات التي بدأتها مختلف الأطراف. تدين وسائل الإعلام والسياسيون في الغرب بقيادة الولايات المتحدة روسيا لشنّها الحرب على أوكرانيا، وتدين أفعالها واصفة إياها بأنها تنتهك القانون الدولي، لكننا بحاجة للنظر إلى الظروف الفعلية للقضية قبل أن نوجّه الإتهامات. فبالنظر إلى الغزوات الأمريكية العديدة غير القانونية لدول أخرى، وخاصة غزوها للعراق، بناءً على أكاذيب من تأليف الإدارة والمؤسسات الأمريكية، فهي ليست في وضع يمكنها من إلقاء محاضرات على الدول الأخرى حول حماية حقوق الإنسان أو الالتزام بالقانون الدولي.
يجب أن يفهم الناس السبب الجذري وراء الصراع الروسي الأوكراني، حيث تمثل محاولة توسيع الناتو تهديداً خطيراً لروسيا. قبل أيام دعت القيادة الأوكرانية إلى جعل أوكرانيا على الفور عضواً في الناتو حتى تتمكّن من الحصول على دعم عسكري مباشر من الحلف عبر الأطلسي والحصول على أسلحة نووية، الأمر الذي من شأنه أن يخالف مذكرة “بودابست” لعام 1994 التي سهلت انضمام أوكرانيا إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدولة غير نووية. كما أن الوضع في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا خطير، حيث ترفض القيادة الأوكرانية تنفيذ اتفاقية “مينسك” التي وقعتها أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عام 2015 لإنهاء الصراع العرقي هناك في المنطقة.
من هنا لا يمكن لأي زعيم روسي ليقبل التوسّع المستمر لحلف شمال الأطلسي شرقاً، مقارنة مع ما ستفعله الولايات المتحدة إذا كانت المكسيك تميل إلى الانضمام إلى تحالف عسكري تقوده قوة منافسة. وبالفعل كان الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي مستعداً لغزو كوبا لو لم يتمكّن من إخراج الصواريخ من ذلك البلد من خلال المفاوضات أثناء أزمة الصواريخ الكوبية. ولمدة 13 يوماً في تشرين الأول 1962 كان العالم على ما يبدو على شفا حرب نووية على أمل التوصل إلى حلّ سلمي، ولحسن الحظ ساد شعور أفضل على قادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
في المقابل، لم يحصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ردّ مماثل من نظيره الأمريكي جو بايدن، رغم أن بوتين أجرى مفاوضات مع القادة الغربيين ولاسيما بايدن لانتزاع وعد بأن الناتو لن يقبل أوكرانيا كعضو، لكن بايدن تجاهل مخاوف روسيا، وعلى هذا النحو ليس لدى الولايات المتحدة وحلفائها سبب وجيه لإدانة روسيا.
ومع ذلك يجب إنهاء النزاع العسكري في أوكرانيا على الفور، ولتحقيق هذه الغاية يجب على بايدن أن يعلن علناً أن الناتو لن يتوسّع شرقاً، وأن أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا لن تكون أعضاء في الناتو. كما يجب على بايدن أيضاً الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام والذي سيؤسّس الحياد الدائم لأوكرانيا الذي يكفله مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
بعد ذلك، يمكن إجراء مفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا حول نزع السلاح النووي من أوروبا، بما في ذلك إزالة الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية من دول الناتو التي تنتهك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، واستعادة معاهدة القوات النووية متوسطة المدى التي كان قد تمّ إنهاؤها بتهور من قبل إدارة دونالد ترامب.