في عيد المرأة العالمي نساء في مواجهة الأزمة عملوا بمهنٍ تقليدية وأبرزوا مشاركتهم الفعاّلة بالمجتمع
حماه – يارا ونوس
تخليداً لدور المرأة الشامل إن كانت ربّة منزل وأم عظيمة أو ممرضة، معلّمة، حرفية بمهنٍ يدوية وإيماناً بمكانتها يحتفل العالم في مثل هذا اليوم 8 آذار بيوم المرأة من كل عام.
ولا بُدّ لنا من تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه في شتى المجالات والصعوبات التي واجهتها خلال الأزمة الاقتصادية، ففي ظلّ انكماش مساحة الوظائف المُتاحة في سوق العمل، إلى جانب صعوبة الحصول عليها لاسيّما بعد أن أرخت الأزمة بظلالها على سوريا لأكثر من عشر سنوات، الكثير من النساء اتجهنّ للبحث عن عمل في مجال الحرف التقليدية اليدوية سعياً للرزق الكريم.
وبما أنّ التوازن الاقتصادي في البلد لا يمكن أن يكون إلا بمساعدة نصف المجتمع الممثّل بالمرأة المناضلة على كل جبهات الحياة، لايقتصر دور المرأة في الرعاية والدعم، التعليم، والعمل، وإنما وقوفها جنباً إلى جنب الرجل.
لذلك آثرت “البعث الأسبوعية” أن تعرض صوراً لواقع المرأة العاملة في مدينة السلمية، والتقت نُخبة من السيدات العاملات اللواتي تركن بصمة متميّزة وخير ما يمثّل السيّدات في هذا اليوم، ووقفت على أحوالهنّ وهواجسهنّ، والمشكلات التي تعاني منها خلال العمل.
تقول علا خضر البالغة من العمر 45 عاماً لم أكتفِ بعملي في دائرة حكومية بل عملت في المنتجات الغذائية، أعمل يومياً في صناعة الحلويات والغذاء الصحي الخال من السكّر لمرضى السكّر والقلب ومرضى السرطان لأساعد زوجي في نفقات المنزل.
وتضيف بدأت مشروعي بالعمل ضمن المنزل في تلبية طلبات الأقارب، ومن ثمّ توسعت دائرة معارفي أكثر بعد مشاركتي في عدة معارض سواء داخل المدينة أو خارجها لاعتباري الوحيدة على مستوى المحافظة كمنتجة للمأكولات الصحيّة (المعجنات، خبز الشوفان، حليب الشوفان، حليب باللوز.. إلخ)
وتطرقت علا إلى المشاكل التي تعاني منها من كانقطاع الكهرباء والغاز، واضطرارها لشراء مادة الغاز من السوق السوداء وبأسعار مضاعفة، وعدم امتلاكها للأدوات الكهربائية والمعدات الأساسية في نطاق عملها، إضافة إلى غلاء المواد المستخدمة.
شغف وفسحة أمل
أمّا نجوى السلوم فهي معلّمة فنون، وسيدة مطلقة، ولديها ولدين تقطن مع ذويها وتعمل في مجال الحقائب الجلدية لتعيل أولادها.
تقول: الحياة أصبحت صعبة جداً وخاصة بعد انفصالي عن زوجي فقررت أن أعتمد على نفسي واستفيدُ من مهارتي في الحرف اليدوية لتكون مصدر دخل إضافي في ظل الظروف المعيشيّة المعقدة فالعمل بالنسبة لي شغفٌ وفسحة أمل.. وأشارت السلوم إلى الصعوبات التي أثرّت على تراجع عملها بشكل كبير خلال الأزمة وجائحة كورونا، كصعوبة تأمين المواد الأولية اللازمة من خارج المدينة، وشراؤها بأسعار مرتفعة.
مساعدة للأزواج
هناء وسوف أُجبرت بسبب الأحوال المادية الصعبة للبحث عن عملٍ لتكون عوناً لزوجها وتساعده في تقاسم أعباء المعيشة، فتعلمت دق الصوف من والدتها وبعض الأعمال اليدوية، وقامت بتدريب فئة من السيدات في هذا المجال من الحرفة.
تعمل لساعاتٍ طويلة وتشعر بالمتعة دون ملل أو كلل، مشيرةً إلى مساعدة زوجها وأولادها لها أيضاً في العمل، تقول هناء حلمي الوحيد أن أفتتح مشغلاً صغيراً حتى لو كان في منزلي، يضم عدد من العاملات للاستفادة المُشتركة.
كفاح النساء وإثبات جدارتهنّ
هاهي سهر الشيحاوي المرأة الخمسينية أرملة ولديها ابنة وحيدة، تعيش في منزل بالآجار، وتعمل كمحاسبة في محلٍ تجاريّ في النهار وفي الصناعات الشرقية ليلاً لتقدم أبهى القطع المصنوعة من خيطان الحرير والصوف وحبال الخيش، وتتنقل بين عملها ومنزلها على الدراجة الهوائية (البسكليت) لتلاحق وقتها وتوازن بين متطلبات العمل والمنزل في آن واحد.
ورغم المشاق والعمل المُرهق إلا أن سهير أثبتت جدارتها وحرفية صناعتها عن طريق مشاركاتها في معارض أوربية وباتت تصدّر بعضٌ من منتجاتها الشرقية إلى دولة فرنسا.
وحالها كحال باقي النساء تعاني من نفس المشكلات من غلاء المواد وعدم توفر التيار الكهربائي لفترات طويلة.
ومن رحم وسائل التواصل الاجتماعي وُلد الكثير من المبادرات الطوعية والنشطاء الذين أسسوا مواقع للتواصل مع بعض النساء العاملات وسلطوا الضوء على أعمالهن ليتحوّل فيما بعد إلى فريق منظّم يُعنى بالحرف اليدوية والتقليدية (فريق نحنا هون) والذي كان ثمرة جهد مشترك توحدوا واتحدوا فيه بالأمل والعمل.
مؤسسة الفريق لميس حبابة تقول: بسبب ظروف الحرب التي آلت إليها البلاد وتركت تأثيراً كبيراً في شتى المستويات، اضطرت المرأة بشكلٍ ما لتكون رديفة للرجل وتساعده في تأمين متطلبات الحياة لذلك خرجت إلى سوق العمل بكل ماتملكه من طاقة إيجابية ومهارة مهنيّة تبدع فيها وتعود بالمردود المادي عليها وعلى أسرتها ولا تحتاج بذلك إلى أحد، فالحرب أنتجت نساء جبّارات مكافحات حتى لو انكسروا جعلت من انكسارهم دافع قوي ليكونوا كحجر الأساس لا يثني من عزيمتها شيء.
وأشارت حبابة إلى أنه من الضروري على كل سيدة مهما اختلف مستواها التعليمي وتمتلك مهارة معيّنة، أن تبدأ بمشروع خاص فيها سواء كانت خيّاطة، رسّامة… لتعود بالنفع على أسرتها ومجتمعها.
وختامها نقول: أنّ ظاهرة المرأة المُعيلة ليست بالجديدة في مجتمعاتنا الإنسانية ولكن هذه الظاهرة اتسعت باتساع دائرة الفقر، فالمرأة السوريّة أثبتت قدراتها على التحوّل الإيجابي، لتكون مصدر تغيير وقوّة ديناميكيّة فاعلة للتطوّر في المجتمع.