دراساتصحيفة البعث

دول البلطيق ستتأثر هي الأخرى بالعقوبات على روسيا

هيفاء علي 

لم يوفر ما يُسمّى المجتمع الدولي وسيلة عدائية إلا واتخذها ضد روسيا في محاولة لإضعافها، رداً على العملية العسكرية التي تديرها موسكو منذ أكثر من أسبوعين لحماية إقليم دونباس. وبينما تنشر الولايات المتحدة وأوروبا ترسانة من العقوبات الاقتصادية لمعاقبتها على عمليتها العسكرية في أوكرانيا، فإن مدى نجاحها غير مضمون وعواقبها غير واضحة، حيث يظهر الترابط المالي للاعبين السياسيين الرئيسيين حول العالم أنه من غير المرجّح أن تنجح هذه العقوبات في تحقيق الهدف المرجو منها. والأسوأ من ذلك أن فرض عقوبات على روسيا قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية بسبب الاعتماد المباشر على موارد الطاقة الروسية، حيث يأتي أكثر من ثلث الغاز الطبيعي في أوروبا من روسيا، إذ تعتمد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي لتدفئة ملايين المنازل وتوليد الكهرباء، لذلك في حال توقف تدفق الغاز يخشى الخبراء من ارتفاع الأسعار بالفعل في سوق عالمية دائمة التغيّر، وقد تضطر الشركات إلى الإغلاق مؤقتاً، ومن المرجّح بشدة أن يتطلّب ارتفاع الأسعار دعم الأسر المهدّدة بخطر الفقر، الأمر الذي سيؤدي إلى موجة جديدة من عجز الميزانية ونمو الديون السيادية.

بناءً على ذلك، تبدو أوروبا في طريقها فقط لتقليل اعتمادها الكبير على الاتحاد الروسي، وأي عقوبات اقتصادية لن تضرب روسيا بقدر ما تلحق الضرر بأوروبا نفسها. في هذا الصدد، فإن أضعف المواقف في أوروبا هي تلك الخاصة بدول البلطيق، التي أطلقت خطاباً عدائياً بشراسة ضد روسيا، وفي الوقت نفسه يعرب عن عدم قدرتها المطلقة على توقع عواقب سياسة العقوبات التي تدعو إليها.

على سبيل المثال، تعتبر ليتوانيا من أكثر دول البلطيق في اعتمادها على الطاقة الروسية، حيث دفعت 3 مليارات يورو ثمناً للنفط والغاز والكهرباء العام الماضي. وبحسب الخبير الاقتصادي الليتواني “زيغمانتا مريكاس”، فإن اعتماد ليتوانيا في مجال الطاقة على روسيا هو الأعلى في الاتحاد الأوروبي، وهو ما ينعكس في أرقام التجارة الدولية، والتي تظهر أن البلاد تستورد من النفط والغاز والكهرباء أكثر بكثير مما تصدّره. ففي الربع الأخير من العام الماضي، تجاوز العجز التجاري في المنتجات النفطية 400 مليون يورو، وكان هناك نحو 300 مليون يورو على الغاز الطبيعي، والإنفاق القياسي على الكهرباء، بلغ نحو 400 مليون يورو. وأضاف الخبير الاقتصادي: “إذا وصلنا إلى هذا المعدل، فقد يصل الرصيد السلبي إلى 4 أو 5 مليارات يورو هذا العام، أو ما يقرب من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة كبيرة تتجاوز ما تحصل عليه ليتوانيا من المساعدة الواردة من الاتحاد الأوروبي”.

وبالتالي، بدأت دول البلطيق في البحث عن طرق لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية، وقد وافقت في الآونة الأخيرة حتى على إكمال إلغاء التزامن لشبكة الكهرباء الروسية والمزامنة مع الشبكات الأوروبية قبل عام 2025، إذ لا تزال شبكات الكهرباء في البلطيق جزءاً من حلقة “بريل” ما بعد الاتحاد السوفييتي، والتي تشمل أيضاً روسيا وبيلاروسيا، ولا تزال تعتمد على مركز التحكّم في موسكو ونظام الطاقة الروسي، حتى أن السلطات تدرك أن تسريع إلغاء التزامن من روسيا سيتطلب تمويلاً إضافياً، وسيستغرق تحقيق هذا الأمر الذي تجري مناقشته حالياً في دول البلطيق، بضع سنوات على الأقل، ورغم ذلك، فإن روسيا هي التي تقرّر هذه المسألة اليوم، إذ يمكن لروسيا فصل ليتوانيا عن حلقة “بريل” الكهربائية في أي وقت تريده موسكو. وبحسب الخبير، في حالة الكهرباء، يمكن فصلها بالقوة عن حلقة “بريل” إذا قرّرت روسيا نفسها استخدام هذا الإجراء ضد ليتوانيا. بمعنى أن قادة دول البلطيق الذين فرضوا العقوبات على روسيا، غير مستعدين للسعي إلى حلّ وسط مع البلدان المجاورة. وبالتالي، فإن العواقب واضحة، وستؤدي الدعوات الصاخبة لفرض عقوبات إلى تدهور كبير في رفاهية مواطني تلك البلدان التي يضع قادتها مكاسبهم السياسية فوق اعتبار الخسائر الاقتصادية.