الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

لماذا..؟!!

عبد الكريم الناعم

قال له صديقه وعلامات التعجّب والاستنكار بادية على وجهه: “لماذا يحشد الغرب المتأمرك كلّ هذه الحشود والأحقاد ضدّ الروس”؟!!

أجابه: “سؤال جدير بالانتباه، والاهتمام، ويكاد يكون بحجم التاريخ الحديث لأحداث العالم، في مركزيّة فعلها وأخطارها.

تعال نستعرض بعض هذا التاريخ..

مع مطالع القرن العشرين، قامت الحرب العالمية الأولى، وكانت روسيا القيصريّة متحالفة مع الغرب ضد ألمانيا، وامبراطوريّة بني عثمان، ومع بداية نهاياتها قامت الثورة البلشفيّة، وبدأ عهد جديد في تاريخ الروس والعالم، وقد أعلن الغرب بقيادة أمريكا معاداته لهذه الثورة، وحاربها بكل الأساليب مدّعياً أنّها تريد فرض النظام الاشتراكي على العالم، وأنّها دولة مُلحِدة، وكأنّ الإيمان يقطر من أكمام الغرب!! ولعبت روسيا السوفياتيّة دوراً كبيراً في دعم حركات التحرّر في العالم، وكان لها بصمات فاعلة تركتها على صفحات التاريخ، وكان النّهوض التقدّمي في العالم، ولاسيّما في بلدان العالم الطامح إلى النموّ،.. كان يَعِد بالكثير، إلاّ أنّ النّتائج، بعد قرابة أكثر من ستين سنة خيّبتْ آمال المؤمِّلين، فتكسّرت تلك الأحلام، وكان وراء ذلك أمريكا بمن معها من أهل الغرب والشرق، ورأسُ حربتها في منطقتنا إسرائيل، ذلك الخنجر الذي زرعه الغربيّون في قلب البلاد العربيّة.

في الفترة التي كان الاتحاد السوفياتي يبدو متألّقاً، كانت ثمّة مياه تتسرّب، لا تبشّر بخير، منها غياب الديموقراطيّة، وشدّة البيروقراطيّة، وضعف الأداء الإنتاجي عمليّاً، بينما كانت التقارير التي تُرفَع إلى مراجعها تقول إنّ الدّنيا بألف خير، وأنّ كل شيء على ما يُرام.

أذكر أنّ إحدى الجلسات جمعتنا في سهرة طيّبة الذكرى.. بأحد الخبراء الروس، المتعاقدين مع وزارة الدفاع السوريّة، امتدّت السهرة، وتشعّبت الأحاديث، وكان ممّا رسخ في ذاكرتي، وسمعتُه مندهشاً، خلاصةُ قوله إنّنا إذا استثنينا مسألة الوصول إلى الفضاء، فنحن، في روسيا، لسنا أكثر من بلد من بلدان العالم الثالث، وقد أذهلني هذا القول، ولم تطُل السنوات حتى حدث ما حدث من تفكّك الاتحاد السوفييتي، وكان سباق التسلّح مع الغرب أحد العوامل، وجاءت حقبة يلتسين الطّاعن في السُّكْر، وصولاً إلى حقبة بوتين التي عاصرناها، وعايشنا تحوّلاتها، وما نجح فيه الروس من تطوير مذهل على المستوى العسكري، وعلى مستوى البنية الاقتصاديّة، وترافق هذا مع صعود نجم الصين، وبروزها كقوة عالميّة كبرى، فعادت الدوائر والمؤسّسات الغربيّة الحاكمة إلى سابق عهدها في الكيد لروسيا الاتحاديّة، وكانت أوكرانيا المتّجهة عبر حكومتها غرباً المخلَب الذي عوّلوا عليه، أظنّك سمعت أنّ الرئيس الأوكراني السابق، المقيم حالياً في روسيا، أعلن أنّ ثمة معلومات استخباريّة مؤكّدة، تفيد بأنّه كان في نيّة الغرب المتأمرك أن يُرسل إلى أوكرانيا أربع فرق عسكريّة مجهّزة بأحدث الأسلحة، وهذا يعني أنّ المعركة القادمة ستكون على أبواب موسكو،.. هذا وغيره أدّى إلى دخول القوات الروسيّة إلى أوكرانيا، بهدف جعلها دولة منزوعة السلاح، فإذا كنتَ واثقاً من أنّ عدوّك على بُعد خطوتين منك، قادماً ليقتلك، فلا شكّ أنّك ستدافع عن نفسك..”.

قاطعه: “طيّب، هذه الصين لا تزال على العقيدة الشيوعيّة، وبينها وبين أمريكا من التبادل التجاري ما يلفت؟”.

أجابه: “وهذه لا بدّ أن يكون لها صدام ما مع أمريكا بسبب تايوان، والتي تشبه في الدور الذي يُراد لها ما أريد في أوكرانيا، والغرب بعامّة يتحسّس من صعود القوة الاقتصادية والعسكرية للصين، على ما بين الجميع من تشابك في تقاطع المصالح الاقتصاديّة، ويرجّح بعض الدارسين الاستراتيجيين في العالم أنّ الصدام الحالي، والمُحتَمَل سيفرض على الكبار في العالم أن يلتقوا، ويتشكّل عالم متعدّد الأقطاب..”.

Aaalnaem.com