العقوبات الاقتصادية لن تطال روسيا وحدها
سمر سامي السمارة
مع استمرار العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مؤخراً، عن موجات من العقوبات ضد روسيا. وبدورها أبقت المقالات الافتتاحية التي ظهرت في وسائل الإعلام الروسية والغربية القراء في جميع أنحاء العالم، على اطلاع بآراء علماء مشهورين من روسيا وأوروبا والولايات المتحدة حول الخلفية والأسباب الجذرية للأزمة المستمرة في أوكرانيا.
قد يقول البعض بعد الترويج الإعلامي الذي اتبعته وسائل الإعلام الغربية، إن مصير روسيا الآن محكوم بالفشل، ولا يمكنها تحمّل العقوبات واسعة النطاق التي فرضها الغرب. لكن على الرغم من أن الكثير من الإجراءات المعلنة، مثل إلغاء عقود أداء الفنانين الروس المشهورين عالمياً في أوروبا، غير منطقية، فإنه من المرجح أن يبقى تنفيذ العديد من هذه العقوبات موضع شك، حيث تمّ اتخاذها تحت ضغط سياسي دون تفكير دقيق بشأن تنفيذها العملي!.
من المسلّم به أنه على عكس معظم الإجراءات أحادية الجانب السابقة التي اتخذتها الولايات المتحدة في كثير من الأحيان ضد روسيا ودول أخرى، فإن هذه الموجة الجديدة من العقوبات التي اتخذها الغرب، غير مسبوقة من حيث حجمها الهائل وطبيعتها المتعدّدة الجبهات، بما في ذلك تجميد الأصول الروسية عبر العديد من بنوك الدول الغربية، وإخراج روسيا من نظام “سويفت”. ومن الواضح أن هذه الإجراءات قد وُضعت بهدف هدم وتدمير الاقتصاد الروسي بأكمله الذي يعتمد بشكل كبير حتى الآن على تصدير موارد الطاقة والموارد المعدنية في البلاد.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي قد يُسرّع عملية التحوّل إلى مصادر الطاقة البديلة والمتجدّدة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن اعتماده على النفط والغاز الروسي لن يتوقف على الفور، ولا يمكن أن يختفي تماماً بهذه الطريقة. كما يمكن أن يتسبّب تحوّل أوروبا أيضاً إلى الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية للحصول على إمدادات الطاقة باضطراب هائل في نظام توزيع الطاقة الحالي في جميع أنحاء العالم، وبالتالي الاقتصاد العالمي.
ومن المؤكد أن الانتعاش الاقتصادي عملية مرهقة لأي دولة منخرطة في صراع عسكري مع الآخرين، لكن روسيا قوة عالمية ذات مساحة كبيرة من الأرض، غنية بالموارد الطبيعية، وهي واحدة من البلدان القليلة جداً، التي يمكن أن تتمتّع بالاكتفاء الذاتي بالمعنى التقليدي.
لقد أظهر التاريخ أن جميع العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، في كثير من الأحيان، سيف ذو حدين، وأن التأثير المدمّر للعقوبات الاقتصادية سيطال كافة الأطراف. والأسوأ من ذلك ستعاني أوروبا نفسها، في نهاية المطاف من الزيادة الحادة في تكلفة الطاقة، لأن أوروبا في النهاية بحاجة ماسة إلى استيراد الطاقة.
ولسوء حظ الغرب، فإن دولاً من بينها الصين والهند والإمارات المتحدة لم تنضمّ إلى الغرب في مبادرات العقوبات المتهورة ضد روسيا، ومن المرجّح أن تواصل التبادل التجاري مع روسيا والتي قد تتخذ أشكالاً جديدة، مثل تجارة المقايضة، وإيجاد حلول تسوية باستخدام الوسائل الأخرى المتاحة.
لا يزال هناك عدد كبير من الدول، بما في ذلك سنغافورة، إحدى الدول الرائدة في رابطة دول جنوب شرقي آسيا، التي قالت كارهة، إنها تفكر في فرض مقدار معيّن من العقوبات ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي يظهر بوضوح أن كثيراً من الدول لم تعد تتبع بشكل أعمى توجيهات الإدارة الأمريكية.
إن الشراكة الإستراتيجية المعلنة والتآزر بين روسيا والصين، يثبت أنهما دولتان صلبتان وغير مزعزعتين، وهو ما قدّم الأساس لمزيد من التعاون والمساعدة المتبادلة، حيث إن العالم الآن مستعدّ للانتقال إلى حقبة جديدة من التعددية القطبية.
لكن مهما كانت نتيجة أو سبب الأحداث المؤسفة، فمن الصواب الاعتقاد بأن الأزمة في أوكرانيا شكّلت بداية نهاية حقبة الهيمنة الأمريكية، حيث استنفدت روسيا صبرها وأخذت زمام المبادرة لتحدي الولايات المتحدة والقوى الغربية. ومع ذلك، ما إذا كان هذا سيؤدي إلى الحرب العالمية الثالثة أو بالأحرى البداية الحقيقية لعالم متعدّد الأقطاب، كما يتوقع الكثير من المراقبين، لا يزال العالم ينتظر.