الفائدة معدومة!
علي عبود
نستغرب دعوة البعض، ومن بينهم “متنورون”، إلى تخفيض سعر الفائدة لتشجيع المستثمرين على إقامة مشاريع جديدة.
لن نلفت نظر هؤلاء “الدعاة” إلى أن نسب الفائدة على الودائع يجب أن تكون دائماً أعلى من نسب التضخم ولو بنقطة واحدة فقط، لكننا نسألهم: ماذا عن مدخرات صغار المودعين التي تبخّرت في المصارف؟.
لقد وثق آلاف المواطنين بدعوات حكوماتهم المتعاقبة منذ عام 2011 لدعم الليرة السورية، فتهافتوا لإيداع مدخراتهم في المصارف، في حين قام التجار من صغارهم إلى كبارهم، وحتى حيتانهم، بتبديل ما تبقى من ثرواتهم وأرباحهم اليومية إلى دولارات سوداء، وهرّبوها إلى الخارج!.
السؤال: ماذا كانت نتائج ثقة صغار المودعين بحكوماتهم، وبدعوات المصرف المركزي لدعم الليرة السورية؟.
قد تكون كلمة “كارثية” لا تفي لوصف حال آلاف المودعين، فقد تبخّرت مدخراتهم بشكل مرعب دون أن تتحرك أية حكومة لتعويضهم حتى الآن، في حين استنفرت جميع الحكومات المتعاقبة لإصدار قرارات لصالح من وصفتهم بـ “المقترضين المتعثرين”، وهم فعلياً غير متعثرين، بل معظمهم “سيّل” قروضه إلى دولارات وهرّبها، ومن ثم رفض إرجاعها مع فوائدها للمصارف رغم انخفاض قيمتها الفعلية عدة أضعاف!.
مثال على الكارثة التي صعقت صغار المودعين: وديعة المليون في عام 2011 كانت قيمتها الرسمية بحدود 21275 دولاراً، انخفضت قيمتها منذ العام الماضي بسعر الصرف الرسمي إلى 398 دولاراً فقط، أي بما يعادل مبلغ 18700 ليرة في عام 2011!.. وانخفضت فائدة وديعة المليون من 90 ألف ليرة سنوياً (1914 دولاراً) في عام 2011 وما قبل إلى 70 ألف ليرة (27 دولاراً فقط)!.
ومن المستغرب أن يدعو أصحاب “الرأي” أو المنظرون إلى تخفيض سعر الفائدة أكثر فأكثر، وكأنهم يتجاهلون قصداً أو استخفافاً بأن القيمة الفعلية للفائدة انخفضت من حدها الأقصى 10% الذي كان سائداً في عام 2011 عاماً بعد عام لتصل إلى أقل من 1% حالياً، وستستمر بالانخفاض مع كل تعديل لسعر الصرف!.
ونسأل مجدداً: لماذا لم تُعوّض الحكومات المتعاقبة صغار المودعين أو تدعمهم جزئياً كما تفعل مثلاً في مشروع يحمل نسبة من الفوائد المدرجة في مشاريع إحلال بدائل المستوردات؟!.
منذ ستة أعوام جرى التداول بمقترح يشجع على جذب السيولة من الأيدي ومنع تسييلها إلى دولارات أو ذهب كمدخرات في الخزائن المنزلية تحسباً من أصحابها لفقدان قيمة سعر صرف الليرة في القادم من الأيام، وكان المقترح غير مسبوق، بل من الإجراءات الاقتصادية الفعالة التي تضمن القوة الشرائية لليرة، وتحد من تحويلها إلى دولارات سوداء!.
يتضمن المقترح التالي: يقوم المصرف بتقدير قيمة الوديعة وقت إيداعها “دولارياً” حسب السعر الرسمي، ويتم تعديل قيمتها مع كل تعديل لسعر الصرف الرسمي، أي أن المودع لن يفقد قرشاً واحداً من قيمة الوديعة الشرائية مهما تغير سعر صرف الليرة، وبإمكانه استردادها بقيمتها الفعلية التي كانت عليه لحظة إيداعها!.
ومع أن مديري المصارف عقدوا عدة جلسات برئاسة حاكم مصرف سورية المركزي، فإن المقترح “تبخّر” فجأة، ولم تعد تأتي على ذكره أية جهة حكومية، لتتبخّر بعدها ودائع آلاف صغار المودعين!.
وبالمقابل لم تتوقف الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 عن تنفيذ مقترحات تدعم كبار “المتعثرين” الذين سددوا الضربات المتتالية لإضعاف الليرة السورية، وتهريب ثرواتهم إلى الخارج التي تبخّر جزء كبير منها في المصارف اللبنانية!.
بالمختصر المفيد: لسنا مع توصيف وزير الاقتصاد بأن معدلات الفائدة الحالية جيدة ومتوازنة، فهي مقارنة بقيمتها في عام 2011 وما قبل انخفضت إلى ما دون 1%، أي هي عملياً معدومة، كما أن آخر اهتمامات المستثمر الحقيقي سعر الفائدة، فهو منشغل أكثر بتوفر حوامل الطاقة، كما هو حال المستثمرين والصناعيين في مدينة الشيخ نجار بحلب!.