“أزمة أوكرانيا” وبارونات الطاقة
هناء شروف
من المؤسف أن يجد العالم نفسه الآن في صراع هو نتيجة مباشرة لمحاولات الولايات المتحدة تحويل أوكرانيا إلى ملاذ لمصالحها، صحيح أن تاريخ أوكرانيا طويل ومعقد، وكذلك علاقتها بروسيا، ولكن يمكن العودة إلى عام 2013 عندما رفض الرئيس آنذاك فيكتور يانوكوفيتش اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، واختار بدلاً من ذلك التوقيع على صفقة أكثر ملاءمة مع روسيا تغيب عنها الشروط المرهقة التي كان الاتحاد الأوروبي يطالب بها الاقتصاد الأوكراني.
كانت استجابة المناطق الغربية والوسطى في أوكرانيا فورية لأنها تعتبر نفسها أكثر انسجاماً مع أوروبا أو القومية الأوكرانية، ولهذا تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف، وأخذت ميليشيات النازيين الجدد العازمة على محو كل الوجود الروسي في البلاد زمام المبادرة في الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش.
لقد لعبت الميليشيات اليمينية المتطرفة والجماعات الشوفينية دوراً كبيراً في السياسة الأوكرانية على الرغم من شغلها القليل من المناصب المنتخبة، ولم تسمح بتطبيق اتفاقيات “مينسك” المصممة لإنهاء الحرب الأهلية في الشرق، ومنح الحكم الذاتي للمناطق الروسية ثقافياً ولغوياً في البلاد.
هذا التعنت في المفاوضات هو بالضبط ما كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يعتمدان عليه في جهودهما لتقريب أوكرانيا تحت مفهوم أن حلف الناتو هو تحالف دفاعي، ولكن مع التحرك باتجاه المنشآت العسكرية بالقرب من حدود روسيا- في تحد للتعهدات بعدم التوسع شرقاً- انخرط الناتو مباشرة في العداء الذي تندد به روسيا الآن، ورغم ذلك هناك سبب أعمق وهو أن تفاقم التوترات إلى حد الصراع المفتوح ضمن للولايات المتحدة أن تظل أوروبا في مدارها في المستقبل المنظور.
وكمثال واحد، يبدو أن خط أنابيب “نورد ستريم 2” قد مات، وهو الذي كان سيوفر رابطاً مباشراً للغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا مع تجاوز أوكرانيا واستبعادها من رسوم العبور المربحة، وهذه “موسيقا تطرب لها آذان” الولايات المتحدة، لكنها أخبار سيئة للألمان الذين يعتمدون على وقود روسي أرخص خلال الشتاء، حيث سيتدافع جزء كبير من أوروبا لإيجاد مصادر بديلة للطاقة الآن بعد أن تم فرض عقوبات منهكة على الاقتصاد الروسي، وها هي الشركات الأمريكية العملاقة متعددة الجنسيات هرعت للإنقاذ، حيث قدمت الغاز الذي يحتاجونه بتكلفة أعلى.
لكي نكون واضحين، الأوكران والروس هم من سيعانون، الأوكرانيون من دمار الحرب، والروس من عقوبات عقابية تهدف إلى تدمير اقتصاد بلدهم، أما المستفيدون الوحيدون فهم صانعو الأسلحة، وبارونات الطاقة الذين يرسمون ارتفاع الدولار في أعينهم في المشاهد التي تدعو للتفكير والشعور بالبكاء.
إن النظرة أحادية الجانب للنوع الذي تروّج له صحافة الشركات المتعطشة للحرب وملكيتها المستفيدة لن تؤدي إلا إلى تقريب العالم من حرب نووية، في تلك المرحلة لن يكون هناك فرق بمن ربح أي شجار تافه نظراً لأن الجميع سيتحولون إلى رماد.