الدور “القذر” لصندوق النقد الدولي في الأزمة.. إغراق أوكرانيا بالقروض وقطع أذرع الاقتصاد الروسي!
هيفاء علي
حسب خبراء ومحللين اقتصاديين، فان ارتباط صندوق النقد الدولي بأوكرانيا لم يحظ باهتمام كبير، حيث أن صندوق النقد الدولي، كما هو معروف، “يفتح” الاقتصاديات حول العالم لاختراق رأس المال الغربي القوي من خلال جعل هذه الاقتصاديات صديقة للمستثمر عبر تبني سلسلة من الإجراءات الصارمة المناهضة للقاعدة الشعبية.
هذا “الانفتاح” يعني بشكل عام الاستيلاء على الموارد الطبيعية للبلدان والأراضي من قبل هذه المؤسسة الغربية بواسطة الآلية التي تستخدمها بشكل عام لهذا الغرض ومنها فرض “شروط” على البلدان التي تحتاج إلى دعم ميزان مدفوعاتها مقابل منحها قروض.
وبالإضافة إلى هذا الدور العام الذي يلعبه الصندوق، يلعب أيضاً دور دعم أهداف الحرب الباردة للإدارة الأمريكية التي تشنها على الدوام وبدون توقف ضد روسيا، ففي الحالة الأوكرانية، لعبت هذا الدور على أكمل وجه منذ البداية بصرف النظر عن دورها في انفتاح الاقتصاد الأوكراني على رأس المال الغربي.
رفض ” الإصلاحات” الغربية
قبل عام 2014، عندما كان فيكتور يانوكوفيتش رئيساً لأوكرانيا، دخلت بلاده في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي كجزء من تكاملها التجاري مع الاتحاد الأوروبي، حيث طلب الصندوق من أوكرانيا إجراء عدد من “الإصلاحات”: خفض الأجور، و”إصلاح” و “تقليص” قطاعي الصحة والتعليم، والتي كانت من القطاعات الرئيسية المدرة للدخل في أوكرانيا، وخفض دعم الغاز الطبيعي الذي كانت تقدمه الدولة لجميع المواطنين الأوكرانيين وضمنت لهم الطاقة بحيث تكون في متناول الجميع.
إلا أن يانوكوفيتش رفض تنفيذ هذه “الإصلاحات” التي كان من شأنها أن تفرض عبئاً ثقيلاً على السكان، وأنهى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبدأ مفاوضات أخرى مع روسيا، فكانت هذه “جريمته” التي لا تغتفر. فقد كان قطع المفاوضات مع الصندوق بمثابة الهروب ليس فقط من هيمنة رأس المال الدولي، الذي كان يهدف إلى فرض نظام نيوليبرالي، ولكن أيضاً من القوى الإمبريالية الغربية، ولاسيما الولايات المتحدة، والناتو، على اعتبار أن حلف الناتو والصندوق، ليسا منظمتين منفصلتين ولكل واحدة أهدافها وأجنداتها، بل هما بمثابة منظمة واحدة ذات أهداف متشابهة ومتداخلة.
جرأة ثمنها انقلاب..!
جرأة يانوكوفيتش في التحول إلى روسيا بدلاً من صندوق النقد الدولي، أغضبت الولايات المتحدة، فقررت الإطاحة به من خلال تحريك انقلاب برعايتها ودعمها، وتم تنفيذ الانقلاب بمساعدة العناصر النازية الأوكرانية التي وجدت نفسها في طليعة المظاهرات المناهضة ليانوكوفيتش التي سبقت الانقلاب، ومنذ ذلك الحين تم دمج هذه العناصر رسمياً في الجيش الأوكراني مع إدراج كتيبة آزوف، وهي وحدة مشاة عسكرية يمينية متطرفة تتكون من جميع المتطوعين والتي كانت في السابق جزءاً من الاحتياطي العسكري للحرس الوطني الأوكراني.
27 مليار دولار..؟
استأنفت الحكومة الموالية لواشنطن والتي وصلت إلى السلطة بعد انقلاب 2014، المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، مقابل حصولها على التزام قرض بقيمة 27 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بعد أن أظهرت “حسن نواياها”، بخفض دعم الغاز الممنوح للمواطنين إلى النصف، فكان هذا القرض أكبر بستة أضعاف مما يمنحه الصندوق في حالة مماثلة، هذا أولا. أما ثانياً، فقد تم منحه لبلد في خضم حرب أهلية وهو ما يتعارض مع ممارسات صندوق النقد الدولي القياسية. وثالثاً، كان معروفاً منذ البداية أنه لا يمكن سداد القرض، لذا فإن الوسيلة الوحيدة التي يُطلب من خلالها سداده هي أن يسيطر رأس المال الغربي على الأرض ومواردها الطبيعية بما في ذلك الغاز الطبيعي، وبالتالي فإن عمليات الصندوق في أوكرانيا في عام 2014 لا تبرز فقط الجانب النموذجي لسياسته، والتي تتمثل في فتح الاقتصاد أمام رأس المال الغربي، ولكن أيضاً جانباً إضافياً، وهو المساعدة في تحقيق أهداف الحرب الباردة الأمريكية.
يثبت تورط أمريكا
كان من الممكن تحقيق هدف فتح أسواق أوكرانيا وأراضيها ومواردها الطبيعية أمام رأس المال الغربي في عام 2014 بقرض أصغر بكثير من الصندوق، لكن الحجم الاستثنائي للقرض الذي تم منحه بعد ذلك يؤكد الصلة بين الإدارة الأمريكية التي تريد إدخال أوكرانيا في فلكها، وبين الأوليغارشيون الأوكرانيون، الذين يرغبون في إخراج ثرواتهم من البلاد بالدولار أو اليورو، والحكومة ما بعد الانقلاب التي يجب أن تنظم كل هذه التحويلات، وصندوق النقد الدولي الذي يجب أن يدفع الفاتورة.
اليوم، وبعد العملية العسكرية الروسية، طلبت أوكرانيا مرة أخرى مساعدة صندوق النقد الدولي، وأوصت المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجيفا، المجلس التنفيذي للصندوق بتقديم هذه المساعدة، ولكن لم يتضح بعد المبلغ الدقيق للمساعدات والغرض الذي طُلبت من أجله، ولكن يظل هناك شيء واحد مؤكد وهو أنه وبمجرد انتهاء الأزمة الحالية في هذه المنطقة، وبغض النظر عن الشكل الذي يتخذه هذا القرار، ستصبح أوكرانيا اليونان الثانية في أوروبا. ففي حالة اليونان أيضاً، كان قرض الصندوق أكبر بكثير من القرض الذي تمنحه هذه المنظمة عادةً، وكان القصد من هذا القرض ضمان أن البنوك الأوروبية التي أقرضت اليونان يمكنها استرداد أموالها. واليوم، أصبحت اليونان واقعة في دوامة الديون الدائمة.
من مُيسِّر إلى مدمر..!
ووفق خبراء الاقتصاد الأوربين، فقد تغير صندوق النقد الدولي كثيرا منذ إنشائه، فعندما تم إنشاؤه في بريتون وودز عام 1944، كان جزءاً من نظام دولي قائم على السعي وراء استراتيجية اقتصادية توجيهية، وكان جون ماينارد كنيز، الاقتصادي البريطاني المؤيد للتدخل، وكذلك هاري ديكستر وايت، الممثل الأمريكي، المهندسين الرئيسيين لهذا النظام الدولي. من هناك، حول صندوق النقد الدولي نفسه إلى مروج لـ “التعديل الهيكلي” وغدا يعزز نظام نيوليبرالي، أي مجموعة من السياسات التي تنطوي على تفكيك جميع ضوابط التجارة ورأس المال، وخصخصة أصول القطاع العام ، وإدخال “مرونة سوق العمل” ، أي مهاجمة النقابات. وتحول الصندوق الدولي من ميسر لنظام تدخلي إلى مدمر للنظام التدخلي وأداة لإدخال نظام نيوليبرالي، فلقد أصبح أداة في أيدي رأس المال الدولي، ما سمح له بالتغلغل في جميع أنحاء العالم. لكنه ليس مجرد أداة لرأس المال الدولي، بل زيادة على ذلك يعمل كأداة للقوى الغربية المهيمنة التي تدعم رأس المال هذا. وأثناء الدفاع عن مصالح رأس المال الدولي، تم دمج صندوق النقد الدولي في الجهاز القهري الكامل لهذه القوى الغربية.