المطلوب إبقاء أوروبا في الحظيرة الأمريكية
تقرير إخباري
شيئاً فشيئاً بدأت تظهر الأسباب الحقيقية التي دفعت الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار بحظر استيراد النفط والغاز الروسيين، رغم أن جميع التقارير والمعطيات تؤكد أن واشنطن لا تعتمد على روسيا في استيراد هاتين المادتين وأن لديها أسواقاً أخرى في الخليج العربي هي المسؤولة عن توريد هاتين المادتين إليها، وبالتالي فإن القرار الأمريكي هذا لا يؤثر مطلقاً في توفر المادتين في السوق الأمريكية بقدر ما يخدم هدفاً واضحاً وهو التأثير في أسعار هاتين المادتين عالمياً ورفع أسعارهما بما يتناسب مع مصلحة واشنطن، حيث تستطيع بذلك إيجاد فرصة لنفطها الصخري في السوق العالمية بعد وصول الأسعار إلى ما يتناسب مع تكلفة استخراجه الباهظة.
وبعد الرفض الأوروبي غير المباشر للانصياع إلى الرغبة الأمريكية في الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين بحكم علم الأوروبيين أن القرار الأمريكي لن يؤثر كثيراً في السوق الأمريكية في الوقت الذي يمكن لو طبّق في أوروبا أن يشلّ الحياة العامة هناك، تنبّه الدب الروسي إلى أن هذا القرار جاء فقط لرفع أسعار الطاقة وبالتالي تمكين النفط والغاز الصخريين الأمريكيين من دخول سوق الطاقة من الباب الأوسع، الأمر الذي دفعه إلى إطلاق تصريحات واضحة بأنه لن يستخدم النفط والغاز سلاحاً في وجه الأوروبيين وهذا بالضبط ما أثار حفيظة واشنطن.
وواضح من مجريات الأمور أن القرار كان سيبدأ من واشنطن ثم تتبعه تقليدياً بريطانيا، وبالتالي تسهيل فرضه على الأوروبيين الذين رفضوا ذلك لعلمهم سلفاً أن الرئيس الأمريكي يتاجر بحاجاتهم الأساسية وأن الأمر لا يتعدّى كونه محاولة أمريكية لاستبعاد روسيا من سوق الطاقة العالمي والحلول محلّها، ولكن أسعار هذه الطاقة سيحدّدها الآن الأمريكي الذي سيفرض عليهم مصادر طاقته الصخرية الباهظة الثمن، بعد أن يكونوا قد قطعوا حبل التواصل مع موسكو نهائياً في هذا الشأن.
فالأمر لا يعدو كونه محاولة لشيطنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقول إنه يعمل على ابتزاز أوروبا في موضوع النفط والغاز بالذات، وهذا ما بدأ يظهر تدريجياً في تصريحات وكيل واشنطن في أوروبا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي أكد أن التخلي عن النفط والغاز الروسيين سيكون أمراً صعباً للدول الأخرى، لكنها خطوة يجب أن يتخذها الجميع لتفادي “الابتزاز”.
وقال جونسون في مقال له نشرته صحيفة “التلغراف” اليوم الثلاثاء: “طالما تتساقط القنابل، ترتفع أسعار النفط والغاز، ما يعني أن هناك نقوداً أقل في جيوبكم ونقوداً أكثر لدى بوتين. لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال. مؤكداً أن بلاده تخطّط لحظر استيراد النفط الروسي، لتحذو حذو الولايات المتحدة، كما أيّد دول الاتحاد الأوروبي التي تنوي “التخلص” من الهيدروكربونات الروسية.
ومن هنا يتبيّن أن الحرب التي يشنّها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا في جوهرها هي حرب اقتصادية، فالمطلوب بشكل واضح، وهو ما صرّح به جونسون، إبعاد العالم الأوروبي عن الاستفادة من سوق الطاقة الروسي في محاولة لمحاصرة موسكو وخنقها وصولاً إلى إضعافها ومنعها من قيادة العالم إلى نظام جديد يتمّ فيه التخلّي عن الهيمنة الأمريكية وأدواتها.
ويؤكد ما ذهبنا إليه من أن قرار واشنطن حظر استيراد النفط والغاز الروسيين لا علاقة له بمصالح أوروبا بل على العكس تماماً ينطوي على مزيد من الهيمنة على القرار الأوروبي وإبقاء أوروبا كلها تحت رحمة واشنطن، ما أفادت به قناة “Fox Business”، الاثنين، من أن البيت الأبيض دعا مدوّني منصة “TikTok” لتحميل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المسؤولية عن ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، حيث ذكرت القناة أن صحيفة “واشنطن بوست” أفادت في 11 آذار الجاري بأن البيت الأبيض أجرى مؤتمراً صحفياً لـ30 مدوّناً شهيراً لمنصة “TikTok” بشأن الوضع في أوكرانيا. ونشرت القناة مقطع فيديو لهذا المؤتمر الصحفي يظهر المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية، جين بساكي، وقولها: إن “أعمال الرئيس بوتين تسبّبت في ارتفاع أسعار البنزين”، مع أن القرار الأمريكي هو الذي رفع أسعار المادة في الولايات المتحدة.
بالمحصّلة هناك حملة أمريكية ممنهجة لشيطنة الرئيس الروسي بالاستفادة من الحرب في أوكرانيا، للقول إن بوتين يعمل على ابتزاز الأوروبيين في مسألة النفط والغاز، بينما تصرّ موسكو على أنها لن تستخدم هذه الورقة سلاحاً في وجه الأوروبيين، وهذا ما يثير حنق واشنطن، وبالتالي لابدّ من إيجاد طريقة لإجبار بوتين على اتخاذ مثل هذا القرار حتى يتسنّى لواشنطن تحقيق مآربها في عزل أوروبا عن روسيا نهائياً، وخاصة أن استمرار أوروبا في هذا الطريق من العلاقات مع روسيا، وخاصة ألمانيا، يمكن أن يؤدّي إلى تحالف اقتصادي قوي بين البلدين يطيح بالهيمنة الأمريكية على القارة نهائياً.
طلال ياسر الزعبي