الأمن الغذائي العربي في خطر
محمد نادر العمري
شكّل بيان صندوق النقد الدولي، بداية شهر آذار الحالي، صدمة مدوية وحالة من الحذر والخوف باتت تسود متابعي الشأن الاقتصادي وصانعي القرار العالميين، بعدما أكد في خضم هذا البيان، أن الصراع في أوكرانيا أدى بالفعل إلى ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب، حيث تضمن البيان عقب اجتماع لمجلس إدارة الصندوق ترأسته “كريستالينا جورجيفا”: “الوضع لا يزال شديد التقلب والتوقعات عرضة لعدم اليقين بشكل غير عادي، والعواقب الاقتصادية خطيرة للغاية بالفعل على النظام العالمي”.
هذا التأثير من المؤكد سيطال الوضع الاقتصادي العربي في جوانبه المختلفة، ففي المجال الغذائي تعتمد الدول العربية جميعها على استيراد ما يزيد عن 61% من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى فرنسا ورومانيا، ولكن لروسيا وأوكرانيا أهمية خاصة في تزويد الدول العربية بالحبوب، وذلك بسبب انخفاض سعرها في البلدين مقارنة بالدول الأخرى. وحسب الأرقام العالمية والتصنيفات المسجلة، تعتبر روسيا البلد الأول على الصعيد الدولي في تصدير هذه المادة الحيوية، بينما تصنّف أوكرانيا في المرتبة الرابعة دولياً، وبدون أدنى شك فإن استمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا وتغذية حدة الصراع هناك، واستمرار فرض الغرب للعقوبات الاقتصادية على روسيا بشكل كبير ومجحف، سيجعل تصدير هذه المواد صعباً، وبالتالي فإن أوكرانيا التي بات يتحكّم بها النازيون الجدد ويقومون بالتمركز داخل المدن ويقطعون الطرق، سيعيق نقل مادة القمح وغيرها من المواد للخارج، كما أن العقوبات المفروضة على روسيا ستجعل آلية دفع قيمة المواد صعبة، وهو ما سيضع الدول العربية وغيرها من الدول الأخرى في حالة من الإرباك الغذائي، إن صح التوصيف، وهو ما يشكّل تهديداً لأحد أهم مرتكزات الأمن الشخصي والمجتمعي.
ويعتبر اليمن، أول وأكثر بلد عربي معرّض لخلخلة أمنه الغذائي المخترق أصلاً، حيث لجانب الحصار المفروض عليه واستمرار العدوان لن يستطيع توريد القمح، وهذا الحال ينطبق على لبنان، وإن كان الأمر أقل شدة ولكنه في مستوى خطير، فـ لبنان اليوم يعيش في ضائقة نقدية ومالية كبيرة نتيجة الصراع السياسي الداخلي والحصار المفروض عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وما لدى لبنان يكفيه فقط لمدة لا تتجاوز العام، حيث يستورد لبنان كامل احتياجاته من الخارج والتي تُقدّر بين 600 و650 ألف طن سنوياً، 79% منها تأتي من أوكرانيا.
أما الدول العربية في الشمال الأفريقي، فهي الأخرى قد تواجه بتهديدات جمّة تتعلق بأمنها الغذائي الذي دخل دائرة الخطر، وبدأت الأجراس المطالبة تقرع لدفع الدول نحو إيجاد منتجين جدد يسدّون حالة النقص التي من المؤكد ستصيب هذه الدول، وتأتي في قمة هذه الدول العربية مصر، التي تصنّف كأكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، وعلى الرغم من سعي القاهرة مؤخراً لتنويع سلة الموردين لها، مثل رومانيا وأميركا لتغذية 103 ملايين نسمة، إلا أن نصف استهلاكها أو مايزيد بقليل تستورده من روسيا.
وهذا الأمر أيضاً ينطبق على دول الخليج التي تستورد كامل استهلاكها من القمح من الخارج، وتعتبر روسيا وأكرانيا من أكثر الدول التي تصدّر القمح للخليج العربي بنسبة تتجاوز 73%، وهذا ما سيكبّد دول الخليج مبالغ طائلة بعد ارتفاع حدة أسعار الطن الواحد، بعدما بلغ مايزيد عن 344 يورو للطن.
وبناءً على ماسبق، فإن النظام الدولي عموماً، ومعظم الدول العربية، إن لم نقل جميعها، سوف تعيش حالة من تهديد الأمن الغذائي، في حال استمرار تأزم الوضع في أوكرانيا ومايرافقه من تصعيد غربي عبر العقوبات ضد روسيا، وهو ماسيزيد الوضع سوءاً لمعظم الدول العربية بعد جملة الخراب التي سبّبتها الولايات المتحدة بعد عام 2011 وشهدتها المنطقة، وبعد الآثار السلبية التي طالت معظم الجوانب إثر انتشار جائحة كورنا، بالتزامن مع موجة الجفاف وتراجع معدلات الزراعة وغيرها، لتأتي اليوم الأزمة الأوكرانية لتزيد الوضع سوءاً، حيث ستتمثل تحديات الأمن الغذائي خلال المرحلة القادمة بما يلي:
أولاً: ارتفاع أسعار القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا، وهو ما سيكبّد خزائن الدول مبالغ إضافية ستنعكس حتماً على المواطنين.
ثانياً: صعوبة استيراد القمح في ظل عدم قدرة أوكرانيا على التصدير نتيجة تحكم النازيين بها، وصعوبة التعامل مع روسيا نقدياً ومالياً خشيةً من العقوبات.
ثالثاً: عدم وجود طريق بحري لتوريد القمح، وهو ما سيدفع نحو اللجوء لوسائل أخرى كالطيران، وهذا ما سيكبّد اقتصاديات الدول مبالغ أعلى.
رابعاً: هناك حاجة ملحة لشعور بعض الدول، وخاصة الخليجية منها، بمدى تأزم الوضع، وأن تقوم باستثمار أموالها في الدول العربية بقصد زراعة المحاصيل الزراعية بدلاً من تمويل الفوضى أو إيداع الأموال في المصارف الغربية.