لافروف: ما يجري في أوكرانيا “معركة من أجل مستقبل النظام العالمي”
البعث – وكالات:
هو نظام عالمي جديد إذن، ولا غرابة بعد ذلك إن رأينا الدول الغربية وقد تضامنت مجتمعة ضدّ روسيا في خرقها المتعمّد لقوانين النظام العالمي السابق الذي فرضه الغرب على العالم، فالتضامن الغربي مع أوكرانيا، إن صح التعبير، ليس دفاعاً عن الديمقراطية وحقوق والإنسان، وإنما دفاع عن نظام عالمي متهالك كان إلى وقت قريب يضمن سيطرة القطب الواحد على مقاليد الأمور في العالم، ويفترض أن جميع الدول في العالم الثالث يجب أن تعمل من أجل رفاهية حكام العالم الأنجلوساكسون ومَن يمثلونهم في الهيمنة، وهذا هو السبب الحقيقي للهجوم الحاد وغير المسبوق على كل من روسيا والصين اللتين تعملان على تأسيس نظام عالمي جديد يضمن حقوق الجميع ويمنع سيطرة طرف واحد على القرار.
ومن هذا المنطلق، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن تطوّرات الأحداث الأخيرة حول أوكرانيا تحظى بأهمية قصوى بالنسبة للعالم برمّته، واصفاً إياها بأنها “معركة من أجل مستقبل النظام العالمي”.
وقال لافروف، في حوار مع قناة RBC الروسية اليوم الأربعاء: “لا يتعلق هذا الأمر بأوكرانيا إطلاقاً، أو بالأحرى يخص النظام القانوني في العالم أكثر من أوكرانيا. أحكمت الولايات المتحدة هيمنتها على أوروبا بأكملها. نمر الآن بمنعطف مفصلي في التاريخ المعاصر يعكس المعركة من أجل مستقبل النظام العالمي”.
وأوضح الوزير أن الغرب مقتنع بشكل خاطئ بـ”تفوّقه المطلق على الآخرين” وسعى إلى “بناء عالم سيسيطر فيه على كل الأمور دون أي عقاب أو احتجاجات”.
وتابع: “هناك الآن الكثير من الأحاديث عن ضرورة تركيز الضغوط على روسيا لأنها تشكل آخر حرّ ينبغي تجاوزه قبل الانتقال إلى مواجهة الصين. إنه كلام بسيط لكن فيه حقيقة جوهرية”.
وحمّل لافروف دول الغرب المسؤولية عن ابتكار مصطلح “النظام العالمي المبني على قواعد محدّدة”، مضيفاً: “تمت صياغة هذه المبادئ ضمن مجموعة ضيقة بالتزامن مع إنشاء هياكل ضيقة غير رسمية. هناك القانون الإنساني والمفوضية الخاصة بها ضمن الأمم المتحدة، لكن الاتحاد الأوروبي أنشأ شراكة خاصة بالمسألة حيث يتبنى قرارات دون مراعاة مواقف المجتمع الدولي”.
وأشار لافروف إلى أن شركاء روسيا الغربيين “تجاهلوا بتعجرف” مبادرة الضمانات الأمنية التي تقدّمت بها موسكو في كانون الأول الماضي ردّاً على توسّع ناتو في أوروبا على مدى عقدين، مشدّداً على أن الغرب لم يرغب في حل المسائل الأمنية مع روسيا سلمياً.
وتابع: “سألتني لماذا لم يكن من الممكن حل هذه المسألة سلمياً، لكننا اقترحنا حلها سلمياً على مدى سنين”.
واتهم الوزير الغرب بمحاولة “الاستهتار بعقل الشعب الأوكراني وتحريضه ضد روسيا”، مشيراً إلى أن واشنطن تلعب دوراً رئيسياً في تحديد موقف حكومة كييف في محادثاتها مع موسكو، لكن روسيا “لم ترَ من الولايات المتحدة اهتماماً بتسوية النزاع حول أوكرانيا بأسرع وقت ممكن”.
وأكد لافروف أن سويسرا تقدّمت بمبادرة أداء دور الوسيط في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، مشدّداً على أن موسكو ترفض التوسط من أي دولة انضمّت إلى العقوبات المفروضة على موسكو على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
وفيما يخص المحادثات الروسية الأوكرانية، أعرب لافروف عن استعداد موسكو للبحث عن أي حلول في محادثاتها مع كييف لضمان أمن روسيا وأوكرانيا وأوروبا عموماً، ما عدا تمدّد حلف ناتو.
وأشار لافروف إلى أن المحادثات مع كييف “تمضي قدماً ببطء، لكن هناك بعض الآمال في التوصل إلى حل وسط”، موضحاً أن هذا التقييم جاء من المفاوضين الروس وبعض أعضاء الوفد الأوكراني.
وأكد الوزير أن موسكو وكييف تبحثان بشكل جاد في محادثاتهما مسألة الوضع الحيادي للدولة الأوكرانية، موضحاً أن هذه المسألة مرتبطة ارتباطاً مباشراً بطلب موسكو تقديم ضمانات أمنية إليها.
وتابع: “إنه الأمر نفسه الذي تحدّث عنه الرئيس فلاديمير بوتين في أحد مؤتمراته الصحفية في شباط: نحن منفتحون على أي خيارات ممكنة وأي ضمانات أمنية مقبولة للجميع إلى أوكرانيا وكل الدول منها روسيا، ما عدا توسع ناتو. وهذا ما يجري التفاوض عليه حالياً في المحادثات”.
ورجّح لافروف أن المفاوضين الروس والأوكرانيين باتوا قريبين في محادثاتهم من الاتفاق على “بعض الأفكار المحددة”، داعياً إلى منحهم فرصة لمواصلة عملهم بهدوء أكثر “دون تأجيج موجة جديدة من الهستيريا”.
وتابع: “آمل أن يسود النهج المهني الذي بدأ يتبلور حالياً، وذلك ليس بسهولة، وهذا يمنحنا الأمل في الاتفاق على هذا الموضوع تحديداً”.
وأبدى عميد الدبلوماسية الروسية استعداد موسكو لتنسيق أنواع الأسلحة في الترسانة الأوكرانية التي لا ترى روسيا فيها خطراً على أمنها.
وتطرّق لافروف إلى الاجتماع الذي أجراه في أنطاليا التركية الأسبوع الماضي مع نظيره الأوكراني ديمتري كوليبا، لافتاً إلى أن الأخير لم يطرح أي أفكار جديدة خلال اللقاء، على الرغم من إعلانه في مستهله أنه “لن يكرر ما قاله سابقاً”.
وأعرب الوزير عن استعداد روسيا لإجراء اتصالات مماثلة في المستقبل، مشيراً في الوقت نفسه إلى ضرورة “تحديد القيمة المضافة لهذه الاتصالات أولاً”.
ولفت لافروف إلى أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قبل أسابيع محدودة طالب حلف ناتو بفرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا والتدخل عسكرياً في النزاع وتجنيد مرتزقة من أجل إرسالهم إلى أوكرانيا.
ورحّب الوزير بعدم استجابة ناتو لمطالب زيلينسكي هذه، قائلاً: “طرحت هذه الأفكار بصورة عدوانية إلى حد كبير، لكن ردّ حلف شمال الأطلسي الذي لا يزال فيه أشخاص عقلانيون كبح جماحه”.
من جانبه، أعلن رئيس الوفد الروسي في المفاوضات الروسية الأوكرانية، فلاديمير ميدينسكي، أن المفاوضات مع أوكرانيا تجري بصعوبة وبطء.
وقال: “المفاوضات تجري بصعوبة وبطء. بالطبع نريد أن يجري كل ذلك أسرع، وهذا هو السعي الخالص من الجانب الروسي. نريد تحقيق سلام بأسرع ما يمكن”.
وذكر أن “الهدف الرئيسي لمجموعة المفاوضات يتمثل في إيجاد قاسم مشترك من بين العدد الهائل من القضايا المعقدة تلك التي يمكن التوصل إلى اتفاق بشأنها والاعتماد عليها ووضع هذه القضايا المشتركة على جدول الأعمال، وبالتالي التحرك تدريجياً – خطوة بخطوة – نحو النتيجة وهي إبرام سلام يناسب شعوبنا”.
وأشار إلى أنه لا يريد التركيز على الصعوبات التي تواجهها عملية المفاوضات، موضحاً: “إن سعي دولتنا والمهمة التي طرحها الرئيس هي تحقيق السلام على أرض أوكرانيا، فهي دولة مسالمة ومحايدة وودية تجاهنا لا تعدّ موطئ قدم عسكري للناتو وليست بؤرة لتلك القوى التي تريد الإضرار ببلدنا”.
وأضاف ميدينسكي: في الوقت ذاته “هناك تقدم ما في بعض المجالات ولكن ليس في كل المجالات”.
وأكد أن الحديث يدور خاصة عن “الحفاظ وتطوير الوضع الحيادي لأوكرانيا ونزع السلاح، كما يتم بحث مجموعة من المسائل المتعلقة بعدد العسكريين الأوكرانيين”.
وأضاف: “تقترح أوكرانيا صيغة نمساوية أو سويدية لدولة حيادية ومنزوعة السلاح. والمسألة المركزية بالنسبة لنا هي وضع القرم ودونباس. وكذلك سلسلة من المسائل الإنسانية بما فيها جعل أوكرانيا بعيدة عن النازية وحقوق السكان الناطقين باللغة الروسية ووضع اللغة الروسية”.
وردّاً على ذلك، رفض مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي فكرة ضمان الوضع الحيادي للدولة الأوكرانية تجاه روسيا على غرار السويد أو النمسا.
وذكر مستشار مدير مكتب الرئيس الأوكراني وعضو وفد كييف في المحادثات الجارية مع موسكو، ميخائيل بودولياك، على قناته في تطبيق “تيليغرام” اليوم الأربعاء: “بطبيعة الحال، نفهم محاولة شركائنا أن يظلوا طرفاً صاحب المبادرة في العملية التفاوضية، ولهذا السبب تأتي تصريحات عن أنموذجي الحياد السويدي أو النمساوي. لكن أوكرانيا حالياً في حالة حرب مباشرة مع روسيا، ولذا لا يمكن أن يكون هناك أي أنموذج سوى الأنموذج الأوكراني وذلك حصراً مع تقديم ضمانات أمنية مثبتة قانونياً، ولا يمكن أن يكون هناك أي أنموذج أو خيار مختلف”.
وأوضح بودولياك أنه يقصد بذلك “ضمانات أمنية مطلقة” تقضي بأن الدول التي تقدّمها تلتزم، في حال تعرّض أوكرانيا لهجوم من الخارج، بالانخراط في النزاع على نحو نشط وتقديم كل الإمدادات العسكرية المطلوبة إلى كييف، بالإضافة إلى “ضمانات ثابتة بشأن حظر الطيران” فوق أوكرانيا في هذا السيناريو.
وشدّد المسؤول على أن أوكرانيا “لم تهاجم ولم تخطط لمهاجمة جيرانها”، مشيراً إلى أن كييف ترغب الآن في أن “تكون لديها مجموعة قوية من الحلفاء مع ضمانات أمنية واضحة”.
من جهة ثانية، شدّد سكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف لمساعد الرئيس الأمريكي جيك ساليفان، على ضرورة وقف دعم واشنطن للنازيين الجدد والإرهابيين في أوكرانيا، واستقدام المرتزقة لدعم كييف.
وجاء في بيان عن باتروشيف في أعقاب مباحثات هاتفية مع ساليفان: “تم إيلاء اهتمام خاص في المحادثات للوضع في عموم أوكرانيا، ودعت موسكو واشنطن لمنع محاولات إطالة المفاوضات التي تجريها كييف بناء على تعليمات من الخارج”.
وأضاف: “شدّد باتروشيف على ضرورة وقف دعم واشنطن للنازيين الجدد والإرهابيين في أوكرانيا، وتسهيل نقل المرتزقة الأجانب إلى مناطق القتال، ورفض الاستمرار في إمداد نظام كييف بالسلاح، لأن هذه الخطوات لن تؤدّي إلا لمزيد من التصعيد”.
وتابع: “تطرّق باتروشيف بشكل منفصل إلى أنشطة المختبرات البيولوجية العسكرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة على الأراضي الأوكرانية وامتثال واشنطن لاتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسامة وإتلافها”.
من جهته، أكد ساليفان “التزام الولايات المتحدة بمواصلة العقوبات على روسيا، ودعم الدفاع عن أوكرانيا وسلامة أراضيها، وتعزيز الجناح الشرقي لحلف ناتو، بالتنسيق الكامل المستمر مع حلفائنا وشركائنا”.
وقال: “في حال كانت روسيا جادة في الدبلوماسية، فيجب عليها التوقف عن مهاجمة المدن والبلدات الأوكرانية”، محذراً من “عواقب وآثار أي قرار روسي محتمل باستخدام الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية في أوكرانيا”.