اقتصاد الشرق الأوسط في مهب العقوبات
علي اليوسف
يراقب العالم تطورات الأزمة الأوكرانية لحظة بلحظة، لأن “تقدير الموقف” الصحيح ليس سهلاً على أحد، ما دامت الإدارة الأميركية تطرح فرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بعقوباتها وإجراءاتها الهادفة إلى ممارسة أقصى ضغط اقتصادي ضد روسيا. صحيح أن أوروبا على تماس أول مع الأزمة، إلا أن دول الشرق الأوسط هي خط التماس الثاني، والتي على ضوئها ستتضح ملامح الاصطفاف وفق “قواعد اشتباك” جديدة، وخاصة فيما يتعلّق بالجوانب الاقتصادية والمالية، والمخاوف من اتساع نطاق الحرب أو طول أمدها، وما يعنيه ذلك من تبعات لا تُحمد عقباها.
لقد شملت آثار الأزمة الأوكرانية كلّ دول المنطقة، نظراً للارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار النقل والإنتاج بالنسبة لجميع السلع في جميع الدول، وخاصة بالنسبة للدول النامية. وقد تستفيد الدول العربية المصدّرة للنفط والغاز، ولكن ما ستحصل عليه ربما يكون أقل من الزيادات في أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى التي تستوردها.
ونظراً لأن روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدّرة للقمح، فقد أدّت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع في أسعار التعاقدات الآجلة على القمح بنسبة 16%، وإذا استمرت الأزمة إلى ما بعد شهر أيار فقد ترتفع الزيادة إلى 20% أو أكثر. وربما لا توجد مشكلة في استمرار تصدير القمح الروسي، ولكن إذا استمر إغلاق الموانئ الأوكرانية لفترة طويلة فإنه يتعيّن على الدول التي تستورد منها القمح والذرة وزيوت الطعام أن تبحث عن بديل.
لقد كانت للتطورات السريعة للحرب في أوكرانيا عواقب كثيرة، حيث باتت آثار الأزمة ملموسة -وإن كانت بدرجات متفاوتة- على اقتصادات المنطقة، وما يبعث على القلق أنه قد تكون لها تبعات سلبية مضاعفة على مستويات الأمن الغذائي، فضلاً عن تعطل سلاسل الإمداد، ومشكلات داخلية تخصّ كل بلد من بلدانها. وفي هذا السياق يمكن لحظ تأثير الأزمة في إحداث صدمات بأسعار الغذاء ولاسيما القمح، وزيادات أسعار النفط والغاز، وعزوف المستثمرين عن المخاطر وجنوحهم إلى الاستثمارات الآمنة، وتعطيل تحويلات المغتربين، وتعطيل السياحة.
كما من المتوقع أن تؤدي الأزمة إلى تعطل سلاسل توريد الحبوب، وزيادة أسعار الأغذية، وارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج المحلية في قطاع الزراعة. وتأتي على رأس البلدان الهشّة بالفعل في المنطقة لبنان واليمن التي تنذر الأزمة الأوكرانية بتعريض أمنهما الغذائي للخطر. فلبنان يستورد من أوكرانيا وروسيا أكثر من 90% من احتياجاته من الحبوب، واحتياطاته من الحبوب لا تكفي إلا لمدة شهر تقريباً. ويستورد اليمن نحو 40% من احتياجاته من القمح من هذين البلدين المتحاربين. وعدد من يعانون من الأزمة أو -الأسوأ- من نقص حاد في الأمن الغذائي في اليمن قفز من 15 مليوناً إلى أكثر من 16 مليوناً في ثلاثة أشهر فقط في أواخر عام 2021، وستؤدي الحرب في أوكرانيا حتماً إلى تفاقم هذه الدينامية القاتمة بالفعل في اليمن.
ستبقى كلّ هذه الآثار الاقتصادية للأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية على روسيا قائمة طالما بقي الصراع محتدماً. أما إذا أدّت المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا مع الوساطات والجهود الدولية إلى انفراجة في الأزمة والتوصل إلى صيغة توافقية، فقد يؤدي ذلك إلى تهدئة نسبية وتخفيف التصعيد بين الناتو وروسيا. ويظل الموقف الأمريكي معلقاً على مدى رغبة الرئيس بايدن في التهدئة لتخفيف الأعباء الاقتصادية على العالم، بما فيه منطقة الشرق الأوسط، أو سيظلّ يستخدم العقوبات الاقتصادية على روسيا إلى أن تُجرى انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس الأمريكي في تشرين الثاني 2022.