عيد مبارك أيها المعلمون
القنيطرة – محمد غالب حسين
في عيد المعلم، أحار بين الصمت والكلام، فلا الصمت ينفع ولا الكلام يقنع، لأنني في حضرة المعلم، وما أدراك ما المعلم!!. إنه معين عذب فرات سائغ شرابه، وأغنية خضراء لا تهرم ولا تموت، لأنها تشعّ بالحياة وتتوشّح بالخلود وتتألق بالزمان والمكان وتتسامى بعد الأفق بلا ضفاف بمرتسمات بلا حدود.
في عيد المعلم، تنداح الذكريات الحميمة حارة طازجة، أحسبها حدثت أمس أو قبله، مع أن جذورها تضرب في عمق الزمن، لأكثر من عقود مضت. فأستذكر ذلك التلميذ الذي اقتاده شقيقه الأكبر في اليوم الأول من العام الدراسي، واقتعد مكانه في الصف الأول الابتدائي. فدخل الأستاذ بطلّته البهيّة، وأناقته المفرطة، وابتسامته التي لا تغادر مُحيّاه، فوقع في نفسي موقعاً حسناً، فكنت من المتفوقين.
كما أستحضر ذلك الشاب الذي كان يمسح السماء ببصر حاد شامخ، ويدكّ الأرض بقدمين قويتين ثابتتين، ويدخل قرية أوغلت في البُعاد عند تخوم الصحراء مديراً لمدرستها، وما حييت لا أنسى وداعة أهلها، وتلاميذها النجباء.
في عيد المعلم، أحاول مقاربة ضفاف بحر من العطاء، أبحث عن المفردات، فتهرب الملفوظات وتعتذر الكلمات، وتعترف المعاني بعجزها وتقصيرها عن التعبير والوفاء لذلك المخلوق الأثيري الذي حاز أعظم الألقاب وأنبل الصفات واستحق بجدارة الاحترام والعرفان والتقدير من الجاحدين ومن الأوفياء.
إنه المعلم، له الفضل ومنه ترشح الفضيلة، يبني العقول ويسامق بها السماء ويصوغ الشعوب ويؤسّس للبقاء، يُعلي صروح الحق والخير والجمال.
في عيد المعلم، أحاول وأجتهد لوصفه وتوصيفه وردّ الشكر لأهله، لأن ثمة من يقول: إن الكلمة عندما تأتي مكانها تعبّر عن العالم بأكمله، لكنني أفشل، لأن اللفظة المضيئة الوهاجة الموحية لا تُسلم قيادها، أو تتخلى عن جموحها إلا لسدنة الأدب الذين يرسمون هالات النور وضياء الكلمات بإبداعهم، بينما أنا حديث عهد بصداقة الكلمة والحرف!!. لكن ذلك لا يمنعني من القول: أيتها المعلمة الفاضلة، أيها المعلم المكرم، أيها المعلمون، أنتم الهداة والأئمة، ممجدة أفعالكم، مباركة جهودكم، طوبى لكم في عيدكم.
إن الفؤاد ليرتعش أمام إيحاءات الخصب هذا الصباح، بحضرة من يقطف ثمار الشمس، وعناقيد الغيوم، ويهبها مشكاة نور على موائد العلم، فيرفرف الأطفال نوارس وحمائم ويمامات على شرفات من عبق وحبق، وألق وشوق وتوق، وبوح وفوح، فيجود النهار بأنواره، وتتلألأ ابتسامات البراعم البيضاء، وتتدفق شرايين الحياة بالمحبة والضياء، وتتجدّد مواسم الفرح ومواكب العطاء.