من الاختلاف إلى الانسجام
علي بلال قاسم
يدرك الجميع أنه لا يمكن رسم خارطة لتنظيم التجمّعات الصناعية، وتطوير المدن والمناطق الصناعية القائمة وإنشاء الجديد منها، دون رؤية اقتصادية واستراتيجية وصناعية طويلة الأمد، على اعتبار أن المناطق المهيأة تعدّ أهم أدوات جذب الاستثمار وزيادة في القيمة المضافة.
وبوجود صناعات ومعامل كبيرة ومتوسطة وصغيرة وحرف منتشرة ضمن التنظيمات الصناعية والإدارية وأخرى عشوائية، تبدو الفرصة سانحة لمراجعة السياسات الاقتصادية والصناعية في هذه المرحلة ضمن برنامج عابر للوزارات، كما تحبّذ هيئة التخطيط الإقليمي تسميته لحاجته للتنسيق والتشاور بين أقطاب الحكومة جميعاً.
عبر سنوات، اعتمدت وزارة الإدارة المحلية مناطق مخصّصة للصناعات الحرفية والمهن الحرة ضمن المخططات التنظيمية، وقتها كان الجدل على أشدّه بين الإدارة المحلية والزراعة حول انتقاء المناطق، ففي الوقت الذي اقترحت الإدارة المحلية 98 منطقة للصناعات الصغيرة والمتوسطة والحرفية تمّ اختيار 25 منها كأولوية في المدن الكبيرة، تقدّمت الزراعة بإقامة 28 منطقة للصناعات الزراعية متناسبة مع انتشار الإنتاج الزراعي، وهي تتمايز جميعها مع مقترح الإدارة المحلية.
وتشير المعطيات المتراكمة يوماً بعد يوم إلى أن المناطق المقترحة من الإدارة المحلية فيها تفاوت في نسب التنفيذ، من حيث البنية التحتية والخدمية وإجراءات الاستملاك، علماً أن بعض المناطق، والتي هي قيد التنفيذ، غير قابلة للتوسّع مع تطور النشاط الصناعي مستقبلاً، ما يتطلب إحداث مناطق أخرى إذا دعت الحاجة للتوسّع في المنطقة الجغرافية المعنية، أو في مناطق جغرافية لا يغطيها المقترح الحالي.
في المقلب الآخر يغلب على مقترحات الزراعة طابع نشاط الجمع والتوضيب والتغليف، والمشكلة في المراكز المقترحة أنها لا تتوافق أحياناً مع المناطق المقترحة من قبل الإدارة المحلية، وهذا ما دفع للتوافق حيناً من قبيل الدمج بين النشاطات الزراعية والصناعية، بهدف التكامل الجغرافي والقطاعي بما يطلق عليها عناقيد التصنيع الزراعي والغذائي، ما أفرز حاجة لإقامة مراكز صناعية زراعية- غذائية.
في خضم هذا الخلاف وتضارب الآراء الناتج عن التباين بين الوزارتين، حيث لم يخدمهما البرنامج العابر للوزارات بالوصول إلى اتفاق بل إلى تناقض يراه البعض طبيعياً، في حين يعتبره الكثيرون عدم انسجام في صياغة خطط متكاملة بالمعنى الكامل للكلمة، والحل -وفق مراقبين- يكمن بالمناطق المختلطة مع زيادة الحصة النسبية للصناعات المرتبطة بإنتاج وإمكانيات المنطقة، مع تحقيق الانتشار المتوازن للمناطق الصناعية، والأهم دعم رأس المال الصغير والمتوسط في ولوج سوق الإنتاج الصناعي، وهذا ما يجب دعمه بالشروط الملائمة لتنفيذ هذه المناطق وبفعالية زمنية وضمن قدرة التمويل، كما يجب أن يكون وفق التخطيط المطلوب حتى عام 2025، ولاسيما أن ما يُبنى اليوم على أنه منطقة صغيرة قد يكون مدينة صناعية كبرى غداً.