رأيصحيفة البعث

في بعض دلالات قمة الإمارات

أحمد حسن 
منذ لحظة الإعلان عنها وحتى الآن، ولوقت طويل لاحق أيضاً، شغلت، وستشغل، زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، القوى الإقليمية والدولية كما المتابعين والمحللين السياسيين، سواء بتوقيتها أو انعكاساتها وتداعياتها، أو، وهذا الأهم، بتأكيدها العملي على أمرين اثنين: أولهما، أن صمود دمشق أمام وقائع وكوارث العشرية السوداء الآفلة هو فقط ما جعلها ممكنة، وثانيهما، عودة البعض للقراءة السياسية – المصلحية طبعاً – بكتاب حقائق التاريخ والجغرافيا وبمنطق التحليل الهادئ والبارد والعقلاني لنتائج انعكاسات صراع الإرادات وتصادم المشاريع، الدموي أحياناً، على أرض الواقع المجرد، لا في أرض الأحلام الموهومة، وهي قراءة كان لا بد لها أن تصل، بالنتيجة، إلى ما عبّر عنه سابقاً الباحث الأمريكي “سيث فرانتزمان”، بمناسبة تعليقه على الاحتفاء الواضح بسورية في فعاليات “اكسبو دبي 2020″، بقوله: “الرمال في المنطقة تنزلق من تحت أقدام واشنطن”، وهو “انزلاق” بدأ يتسارع بعد أن شاهد الجميع، بمن فيهم العرب، كيف ورّطت واشنطن “كييف” بالعداء لموسكو ..ثم تركتها لقدرها، الأمر الذي ساهم بتفاقم حالة تراجع “الثقة العربية بالمظلة الأمريكية” على ما قال آخر، وبالتالي بدء البحث عن خيارات أخرى، أو بدء التمرد، ولو المضبوط حالياً، على سطوة ساكن البيت الأبيض.
وللمفارقة فإن هذا “الساكن” بالتحديد هو من قدم الدليل الأسطع على ما سبق – أهمية الزيارة و”انزلاق الرمال” – فأمام حدث كهذا لم يجد الناطقون باسمه سوى القول إن بلادهم “تشعر بخيبة أمل وانزعاج عميقَين من زيارة الأسد”، مجددين إعادة تأكيد موقفها “الرافض” لـ “التطبيع” العربي مع سورية – وتلك لوحدها قصة غريبة عجيبة – ومهددين بالعقوبات، وهنا تحديداً تتمثل أكبر معاني توقيت الزيارة، فهذا التهديد المعلن سابقاً لم يقم له الطرفان وزناً، وإذا كانت سورية قد اعتادت عليه، فإن موقف “الإمارات” يشي بالكثير، وأولها أن التعاون المشترك مع سورية لم يعد رهينة حسابات إقليمية ودولية سابقة بل تحضيراً لأخرى قادمة ستصب، بالنهاية وبطبيعة الأمور، لمصلحة الإقليم كلّه، وقد كانت الجملة التي استخدمها ولي عهد الإمارات خلال اللقاء بقوله إن “سوريا الشقيقة تعدّ ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي” – وتلك حقيقة أثبتتها وقائع التاريخ وخاصة أحداث وأحوال العقد الأخير من القرن الحالي – هي مفتاح مهم لفهم ذلك، فالأمن العربي لا يتم ويكتمل إلا بأمن الإقليم بأكمله، وسورية، بما تمسك به من مفاتيح وقوى وعلاقات، واحدة من الدول القليلة القادرة على تأمينه، الأمر الذي كان مستشار الشؤون الديبلوماسية في الإمارات، أنور قرقاش، قد توسع في تفسيره وإيضاحه حين قال إن الزيارة “… تأتي من قناعة إماراتية بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليم”، ومن هو أفضل من سورية لقيادة هذا الحوار وتسهيله وخاصة في لحظة “فيينا النووية” القادمة، أو لحظة “كييف” المعقدة الحالية؟.
بهذا المعنى، يمكن القول إنها، أي الزيارة، بداية مرحلة جديدة لمصلحة العرب جميعاً إن سارعوا إلى استغلالها والبناء عليها لخطوات لاحقة، فسورية هي قلبهم النابض، وحين تضافر تكالب الأعداء مع ظلم ذوي القربى على هذا القلب ظناً منهم أن إيقاف نبضه سيضخ الدم في شرايين مشاريع مشبوهة، اتضح لهم أمران: الأول أن هذا القلب أقوى من أن يتمكنوا منه، والثاني أن هذه “المشاريع” انقلبت وبالاً عليهم، فعزلت بعضهم حتى عن مفهوم أمنه القومي الحقيقي، وتراجع تأثير بعضهم الآخر حتى لم يعد يتجاوز حدود عاصمته الإدارية، وغرق بعضهم الثالث في أوهام فائض قوة مدّعاة ودهاليز مغامرات خطيرة ناصب فيها أشقاءه، وجيرانه الأزليين، عداء غير مبرر لم ولن يستفيد منه سوى أعداء الأمة المعروفين.
إنها “قمة” الفرصة و”النافذة” في بيئة إقليمية ودولية معقدة وحافلة بالتقلبات المتسارعة، فهل يستغلها بقية العرب أم .. ولات ساعة مندم؟!!.