“الإستراتيجيون الأمريكيون” يتخبّطون حول التركيز على الصين وإهمال روسيا
تقرير إخباري
لا يزال الجدل في الأوساط السياسية والعسكرية الأمريكية سيّد الموقف على خلفية الحرب في أوكرانيا، وذلك أن “البنتاغون” ورغم الدعاية الكبيرة التي كانت الإدارة الأمريكية تسوّقها حول “غزو روسيّ وشيك” للأراضي الأوكرانية، لم يكن ليتوقّع طبيعة الآثار المترتبة على العملية العسكرية على إستراتيجيته العسكرية، ظنّاً منه ومن كثير من المحللين السياسيين والعسكريين الأمريكيين أن سياسة العقوبات يمكن أن تدفع موسكو في المحصلة إلى إنهاء العملية العسكرية إذا ما وقعت بالفعل، وذلك أن تسويق الغزو الروسي كان في البداية يعتمد على مبدأ تسويق الأكذوبة للحيلولة دون وقوعها، وبالتالي فإن العملية العسكرية الروسية الواسعة لم تكن في الحسبان، ولم يكن أحد يتوقّع أن تؤدّي هذه الحملة إلى نتائج كارثية على صعيد إظهار عجز المؤسسات الإستراتيجية الأمريكية عن تقدير حجم المخاطر الذي يمكن أن تشكله روسيا في هذا الشأن، إذ كان التركيز منصبّاً على مواجهة الصين بوصفها التهديد الأكبر وجودياً للولايات المتحدة الأمريكية، بينما كانت تعدّ روسيا هدفاً ثانوياً بالنسبة للإستراتيجية العسكرية الأمريكية.
ولكن مع تزايد التهديد الذي تشكّله الحرب في أوكرانيا على موازين القوى في العالم، وخاصة مع عجز منظومة حلف شمال الأطلسي “ناتو” بالكامل عن ردع روسيا وجعلها تتراجع عن عمليتها العسكرية في أوكرانيا، بدأت التساؤلات في الغرب وخاصة في مراكز القرار تتزايد حول نوع التهديد الذي يشكّله كل من روسيا والصين عليهم.
لذلك يظن المسؤولون الأمريكيون أن زيادة الحضور العسكري الأمريكي على حدود روسيا يمكن أن يحقق مثل هذا الهدف، ففي تقرير لها، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية نقلاً عن مسؤولين حاليين وسابقين إلى أن “الولايات المتحدة تخطط لتعزيز الإنفاق العسكري وزيادة وجودها العسكري بالقرب من روسيا”، ردّاً على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مع “محاولة الحفاظ على التركيز الطويل الأجل على مواجهة الصين”.
وقال مسؤول كبير في البنتاغون للصحيفة: “أعتقد أنه حدث 11 أيلول لأوروبا.. وبينما سيستجيب البنتاغون وفقاً لما تحتاج إليه تلك الدول يظل التركيز الرئيسي على مواجهة بكين”.
وتابع تقرير “وول ستريت جورنال”: “منذ عام 2018، حدّدت إستراتيجية البنتاغون الصين وروسيا باعتبارهما مصدر قلق رئيسياً، وكوريا الشمالية وإيران والتطرّف العنيف على أنهما تهديدات ثانوية، وكان من المتوقع أن يتم استبدال نهج “اثنين زائد ثلاثة” – خصمان رئيسيان مع ثلاثة خصوم ثانويين – بإستراتيجية “واحد زائد أربعة”، التي وضعت الصين في المرتبة الأولى ووضعت روسيا من بين التهديدات الأقل، موضحاً أنه “على الرغم من التركيز المتزايد على موسكو، فإن الإستراتيجية الدفاعية الأمريكية الجديدة، التي كان من المقرر إصدارها في وقت سابق من هذا العام، قد تم تأجيلها مع تفاقم الأزمة الروسية”.
ومهما حاول الإستراتيجيون الأمريكيون التخفيف من حجم الخطر الذي تشكّله روسيا عليهم فإن النتائج على الأرض تدحض مزاعمهم هذه، فقد كشفت الصحيفة أن الحرب في أوكرانيا أثارت مخاوف بين كبار المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين بشأن إغفال التهديد الاستراتيجي للصين.
ونقلت عن ماكنزي إيغلن، الزميل البارز في معهد أمريكان إنتربرايز ذي الميول اليمينية، قوله في إشارة إلى البنتاغون: “هناك ضغط قوي في المبنى لعدم المبالغة في أهمية روسيا على المدى الطويل بسبب أوكرانيا.. أعتقد أن ما سيظهر في نهاية المطاف سيكون نسخة مخففة لما كانوا ذاهبين إليه بالفعل، وهو أن الصين كانت الأولوية، بما في ذلك روسيا”.
ومع ذلك، فإن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تجبر المسؤولين الأمريكيين على الكفاح من جديد لمواجهة خصمين رئيسيين في وقت واحد، وهي المشكلة التي أحيت نقاشات الحرب الباردة الخاملة منذ فترة طويلة حول الكمية مقابل الجودة في توزيع القوات النادرة بين أوروبا وآسيا.