ميادة بسيليس تشعل حبها لحلب بشمعة الرحيل الأولى
حلب – غالية خوجة
احتفلت حلب بالذكرى السنوية الأولى لرحيل الأيقونة ميادة بسيليس التي تركت بصمة راقية في الغناء المحلي والعربي، من خلال حرصها على التناغم بين ثالوث الأغنية المؤلف من الكلمة واللحن والصوت.
تنوّعت جماليات حنجرة بسيليس بين الإنشاد والفصحى واللهجة والقدود والموشحات والكلاسيك والرومانس والحديث، كما تنوّعت الألحان التي أضفت خصوصية مميزة ألفها زوجها الموسيقار سمير كويفاتي، إضافة إلى الكلمات الملامسة لكل إنسان على صعيد القصيدة المغناة، أو على صعيد الكلمات بلكنتها ولهجتها المحلية.
أبجدية المحبة
وهذه الأبجدية الفنية الخاصة لميادة بسيليس تمتّعت بثيمات موضوعية تتحدث بـ “أنا” كل من يسمعها، أو يردّد معها، ولذلك، أحبها الناس والمستمعون، وما زالوا يردّدون أغنياتها، ومنهم الحاضرون لحفلة ذكراها على مسرح نقابة الفنانين، التي قدّمتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة عدنان فتح الله، بمشاركة سمير كويفاتي، وبأصوات المغنيات ليندا بيطار، نانسي زعبلاوي، سناء بركات.
سنة على غياب المطربة الحلبية بسيليس فيزيائياً، إلاّ أن روحها وصوتها وطيبتها ما زالت وستبقى العطور التي تتنسمها حلب مع بداية تفتّح اللوز والكرز وأعياد المرأة والمعلم والأم، وستظل محبتها متفتّحة بين مشاعر أهل حلب، وقلوب محبيها في كافة أرجاء الأرض، وها هي تشعل شمعة غيابها الأولى بمحبة كبيرة جمعت الأصوات النسائية وأصوات الآلات الموسيقية وآهات الحزن وابتسامات الأمل من جديد.
فراشة الغناء الأصيل
بسيليس التي ولدت ودُفنت في حلب، وودّعتنا لكنها ظلت متشبثة بسوريتها وترابها الذي حضنها مع ما حضن من المخلصات والمخلصين، شهداء وصامدين وفقراء ومنتصرين وفنانين وأدباء وعلماء ومبدعين، نلمحها كيف عبرت مع صوتها في جنازتها، وهي تنشد “الوصية الأخيرة” بين تراتيل ومزامير وأدعية وترانيم، وهي آخر ما غنّته وكان من ألحان زوجها كويفاتي، وكيف ما زال صوتها يحرك المشاعر الواعية للإنسان، وهو يهتز كشجرة فنية وارفة بالأصالة والهوية والانتماء والمحبة، خصوصاً، مع أغنيتها التي أحبها العالم: “كذبك حلو” ونالت العديد من الجوائز، وقدمتها في هذا الحفل الفنانة ليندا بيطار بفنيات صوتية عالية.
الكذب ليس جميلاً أبداً، لكنه في أغنية بسيليس يعني الأمل بالحب، والصبر من أجل المحب، وإقناع الذات بعدم الفراق، ولاسيما أن “الفيديو كليب” الذي رافق بسيليس مع هذه الأغنية كان مشاهد بصرية تحكي عن هذا الأمل والحب والتشبث بالآخر، وهو ذاته ما رأيناه على شاشة المسرح ضمن حكاية بصرية استعادية تحكي عن حياة بسيليس، كما حكى زوجها الموسيقار كويفاتي بصوت دامع وهو يستذكر تفاصيلها التي لا تغادر حياته وألحانه وحضوره على المسرح، مؤكداً: إن ميادة لم تكن ترتاح إلاّ في مكانين، الكنيسة، والمسرح، وأشعر بأننا اليوم عملنا قداسين أولهما في الكنيسة، وثانيهما الآن معكم على هذا المسرح.
وبدوره، عزف كويفاتي عدة مقطوعات تحلّق بالمستمع إلى عالم من الأحاسيس الروحية المتشابكة مع الفقد والأمل وتجديد الألحان التي ذرفت دموعها بصمت على المنصة، في الذاكرة والقلوب.
ميلودي لقداس استذكاري
تميّز الحفل بحشده الجماهيري، إضافة للشخصيات الرسمية والفنية، ومنها خير الدين جراح وعبد الحليم حريري، وجاء صوت سناء بركات أخفض من الموسيقا قليلاً في أغنيتيّ البداية “مين قلك تفتح كل شبابيكك سوا” و”يا غالي”، وأنجزت نانسي زعبلاوي نوعاً من التوازن الفني بين صوتها والموسيقا، وهو ما لفتت إليه بأنها مسؤولية كبيرة أن تقف أمام محبي المطربة الراحلة بسيليس، بينما لمع صوت ليندا بيطار وهي تغني لميادة بسيليس، التي قالت عنها: شكلت مع زوجها إرثاً فنياً لن يغادر ذاكرة سورية، ولذلك، قال الموسيقار كويفاتي: شكراً للفنانات اللواتي غنين بصوت ميادة، لكن، بأرواحهن، متابعاً: ميادة كتبت الفصل الأخير. بينما ركز المايسترو فتح الله على أهمية الثنائي “بسيليس وكويفاتي” كظاهرة فنية نادرة أغنت المكتبة الغنائية السورية والعربية.
تخلّل الاحتفالية التكريمية أغنية توديعية تواسي كويفاتي الذي لحنها، وتنعي بسيليس، من كلمات هيثم حسن يقول مطلعها: “حلوة الأناقة بالحزن والكفن فستان حلوة الكواكب تجتمع لتوّدع الإنسان”.
واختُتمت ذكرى ميادة بسيليس بأغنية “يا جبل ما يهزك ريح”، لتبثّ الأمل في مشاعرنا وهي تحضر قداساً جنائزياً ارتدى أجراس الاحتفال الذي اختتمته المغنيات المشاركات معاً، لتأخذنا أصواتهن الأوبرالية الجماعية في رحلة أخرى تعبر من أرواحنا لتنطلق في فضاءات هذه الكينونة اللا متناهية التي غاب فيها جميع من نحب.