“البزق”.. نكهة موسيقية خاصة
سلوى عباس
آلة البزق قديمة قدم التاريخ، ويقال إن العود من أحفادها، وفي مراحل سابقة كان لها تسميات خاصة حسب الشكل، القصر، الطول، الضخامة، ومن المرجّح أن تاريخها يعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد، وربما يعود الفضل في وجود هذه الآلة للشعوب القاطنة على بحيرة “توان” التركية إلى الشمال من العراق، وفي مصر توجد آثار منقوشة على الجدران بينها أكثر من نقش يعود لزمن رمسيس الثاني يصوّر فتاة تحمل “بزقا”ً قصعة صغيرة بزند طويل، وهذا دليل أنه البزق، وليس العود الذي يتميّز بقصعة كبيرة وزند قصير، ومن ثم تطوّرت هذه الآلة وتعدّدت تسمياتها حسب المناطق، أكانت فارسية أم تركية، فكل شعب يسميها اسماً، والاسم الذي يتعارف عليه الجميع اليوم هو “البزق”، وقد طوّر المبدعون البزق ومنحوه روح الشرق، لكنه لم يأخذ مكانه الحقيقي بين الآلات الشرقية كالعود والقانون، مع أن البزق سيّد الآلات الوترية الرنانة، وقد انتشرت هذه الآلة من خلال بعض العازفين كالملحن محمد عبد الكريم من سورية، ومحمد عارف من العراق، ومحي الدين بعيون من لبنان الذي يقال إنه من أتى بالبزق.
وفي سورية عُرفت هذه الآلة من خلال أمير البزق الملحن محمد عبد الكريم، وكانت آلة غربية، ثم قام الموسيقي الراحل سعيد يوسف الذي شغف بهذه الآلة بتحويلها إلى شرقية، فغيّر بالدوسات وجعلها دوسات حديد، فأصبح يعطي رنة طربية عجيبة، وبالتالي أدخله إلى الجزيرة السورية، لأن هذه الآلة كانت مجهولة في المناطق الممتدة من حلب إلى القامشلي، إذ كانوا يعرفون الطنبورة من خلال الأتراك بسبب قرب منطقة الجزيرة من حدود تركيا، وكان كلّ تركي يحضر معه طنبورة، والآن أصبح هناك عازفون بالعشرات وربما بالمئات.
واحتفاء بهذه الآلة أسّس الإعلامي إدريس مراد مهرجاناً للبزق برعاية وزارة الثقافة امتد لسنوات ليضيء على منطقة الجزيرة السورية، ومنذ أيام اختُتمت الدورة الحادية عشرة لهذا المهرجان الذي شارك فيه أكثر من خمسين عازفاً جاؤوا من مختلف المناطق السورية وبأعمار مختلفة، عزفوا على آلات موسيقية مختلفة كالبزق والطمبور والباغلمة، حيث مازجوا بين التراث والمعاصرة من خلال عزفهم لأنماط موسيقية مختلفة، ليؤكدوا عبر إبداعاتهم وفاءهم لهذه الآلة ولأحلامهم التي ينسجونها لتكون هذه الإبداعات جواز سفر سورياً يباهون به أينما ذهبوا، وقد أشار الإعلامي إدريس مراد المشرف على المهرجان إلى أن آلة “الطمبور” التي انبثقت منها آلتا “البزق والباغلمة” استخدمت في الطقوس الوثنية والديانات القديمة الأخرى، وحتى يومنا هذا تستخدم عند العديد من المعتقدات كآلة مقدسة، حيث يجتمع ما لا يقلّ عن ألف عازف ليعزفوا معاً وبانسجام كبير في اللحن والإنشاد يمدحون الخالق والإنسانية، وأن الهدف من هذا الملتقى هو إحياء آلة موسيقية تكاد تندثر، إضافة لتقديم متعة جديدة، وعازفين جدد، ليعرف الجمهور الموسيقي السوري بأننا نملك العديد من العازفين المبدعين على الطنبورة بأشكالها، كون تلك الآلة لم تدخل إلى موسيقا التخت الشرقي بعد.