الخطوط العريضة لعالم متعدد الأقطاب
هيفاء علي
وافق الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الذي تقوده روسيا مع الصين على تصميم آلية لنظام مالي ونقدي مستقل من شأنه تجاوز المعاملات بالدولار، ليتمّ أخيراً الكشف عن بعض الخطوط العريضة الرئيسية للأسس الجديدة للعالم متعدّد الأقطاب.
مؤخراً، وافق الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين على تصميم آلية لنظام نقدي ومالي دولي مستقل عقب انتهاء اجتماع عبر الفيديو. ويتكوّن هذا الاتحاد من روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وبيلاروسيا وأرمينيا، وهي بصدد إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع دول أوراسيا الأخرى، وتتواصل بشكل تدريجي مع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. جاءت هذه الفكرة من سيرجي غلازييف، كبير الاقتصاديين المستقلين في روسيا، والمستشار السابق للرئيس فلاديمير بوتين ووزير التكامل والاقتصاد الكلي في اللجنة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية، والمنظم في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي. ويتحدث المراقبون عن الدور المركزي لـ غلازييف في تشكيل الاستراتيجية الاقتصادية/ المالية الروسية والأوراسية الجديدة، فهو الذي رأى الضغوط المالية الغربية على موسكو في السنوات المقبلة قبل أي شخص آخر. وأرجع غلازييف إدراك الفكرة إلى “التحديات والمخاطر المشتركة المتعلقة بالتباطؤ الاقتصادي العالمي والإجراءات التقييدية ضد دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي والصين”.
سيعتمد النظام الأوروبي الآسيوي على “عملة دولية جديدة”، على الأرجح مع استخدام اليوان كمرجع، محسوباً كمؤشر للعملات الوطنية للدول المشاركة، بالإضافة إلى أسعار المواد الخام. وسيتمّ بالفعل مناقشة المسودة الأولى في نهاية الشهر الجاري. وبالتالي، من المقرّر أن يصبح النظام الأوروبي الآسيوي بديلاً للدولار الأمريكي، نظراً لأن الاتحاد الاقتصادي الأوروبي يمكن أن يجتذب ليس فقط الدول التي انضمت إلى مبادرة “الحزام والطريق”، ولكن أيضاً اللاعبين الرئيسيين في منظمة التعاون شنغهاي (OCS) بالإضافة إلى رابطة الآسيان، وحتى اللاعبون من غرب آسيا (إيران والعراق وسورية ولبنان) سيكونون معنيين أيضاً بهذا النظام. على المدى المتوسط إلى الطويل، سيؤدي انتشار النظام الجديد إلى إضعاف نظام “بريتون وودز”، والذي يعترف حتى اللاعبون الاستراتيجيون الجادون في السوق الأمريكية بأنه فاسد من الداخل، ما يعني أن الدولار الأمريكي والهيمنة الإمبريالية يواجهان أمواجاً هائجة.
تغيير لعبة البترودولار
اعتبر بعض المراقبين أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في قمة أنطاليا الدبلوماسية الأسبوع الماضي هي اعتراف مستتر بأنه ربما موسكو لم تكن مستعدة بالكامل للمدفعية المالية الثقيلة التي ينشرها الأمريكيون، وذلك عندما قال: “سنحلّ المشكلة، وسيكون الحلّ هو عدم الاعتماد بعد الآن على شركائنا الغربيين، سواء كانوا حكومات أو شركات تعمل كأدوات للعدوان السياسي الغربي ضد روسيا بدلاً من ملاحقة مصالح شركاتهم. سوف نضمن ألا نجد أنفسنا في وضع مماثل مرة أخرى، وأن لا العم سام ولا أي شخص آخر يمكنه اتخاذ قرارات تهدف إلى تدمير اقتصادنا، سوف نجد طريقة للقضاء على هذه التبعية، كان يجب أن نفعل هذا منذ وقت طويل”.
وبالتالي ووفقاً لهذه التصريحات فقد بدأ كل شيء الآن، حيث إن أحد مجالس إدارتها سيكون النظام المالي الأوروبي الآسيوي. والحقيقة الحاسمة هي أنه في النموذج الجديد الناشئ، تمثل دول الناتو في أفضل الأحوال 15٪ من سكان العالم. لذلك لن تُجبر روسيا على ممارسة الاكتفاء الذاتي لأنها لا تحتاج إليه، فمعظم دول العالم مستعدة للقيام بأعمال تجارية مع موسكو. وقد أظهرت إيران كيفية القيام بذلك، حيث تفيد آخر المعلومات أن إيران تبيع ما لا يقلّ عن 3 ملايين برميل من النفط يومياً حتى اليوم دون التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة قيد التفاوض حالياً في فيينا.
زيادة على ذلك، اشترت شركة النفط الهندية “آاي أو سي”، وهي شركة تكرير ضخمة، 3 ملايين برميل من الأورال الروسية من المفاوض “فيتول” لتسليمها في شهر أيار المقبل، فلا توجد عقوبات على النفط الروسي على الأقل حتى الآن. حقيقة، تقوم خطة واشنطن الاختزالية على التلاعب بأوكرانيا وتحويلها إلى بيدق يمكن التخلّص منه للاستيلاء على الأرض المحروقة في روسيا ثم الصين وفق مبدأ “فرق تسد” بين اثنين من المنافسين الأقران في أوراسيا اللذين يتقدمان بالوتيرة نفسها كشركاء استراتيجيين كاملين، بحسب الخبير الاقتصادي مايكل هدسون الذي يقول: “الصين في مرمى النيران، وما حدث لروسيا هو بروفة لما يمكن أن يحدث للصين”!.