بوتين يعلن تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى العملة الروسية
البعث – وكالات:
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى العملة الروسية الروبل، مؤكداً أن بلاده ستواصل توفير هذه الإمدادات وفق العقود المبرمة سابقاً من حيث الكمية والسعر لأنها تحافظ على سمعتها.
وقال بوتين خلال اجتماع مع أعضاء الحكومة اليوم: “قررنا تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل في أسرع وقت ممكن والامتناع عن استخدام عملات الدول غير الصديقة في هذه العملية، وأصدرنا تعليمات للبنك المركزي ومجلس الوزراء لتحديد إجراءات المعاملات مع أوروبا بالروبل”.
وأشار بوتين إلى أن عدداً من الدول اتخذت في الأسابيع الأخيرة قرارات غير شرعية لتجميد أصول روسية وبهذا شطب الغرب بشكل جماعي كل الثقة في عملاته، مشدّداً على أنه لا معنى لتوريد السلع الروسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتلقّي المدفوعات باليورو والدولار.
وفي شأن آخر، بحث الرئيس الروسي في اتصال هاتفي اليوم مع المستشار الألماني أولاف شولتس المفاوضات المتواصلة بين موسكو وكييف لوقف الأعمال القتالية في أوكرانيا.
وذكرت الرئاسة الروسية في بيان مقتضب نشرته اليوم أن “بوتين وشولتس ناقشا خلال الاتصال مستجدات الوضع في أوكرانيا مع التركيز على القضايا المتعلقة بالمفاوضات المتواصلة بين الممثلين عن روسيا وأوكرانيا”.
ولفت البيان إلى أن الرئيس بوتين طرح خلال الاتصال عدداً من الاعتبارات في سياق مواقف روسيا المبدئية في هذه المفاوضات.
وأجرى بوتين في الأسابيع الأخيرة سلسلة اتصالات هاتفية مع شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف أكد من جهته، أن سبب الأزمة في أوكرانيا محاولة الغرب إثبات وجوده على حساب روسيا واعتماد سياسة القطب الواحد.
وقال لافروف في كلمة اليوم أمام معلمي وطلبة معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية: “إن ما يجري في العالم حالياً لا يخص أوكرانيا وحدها بل هو محاولات لإنشاء نظام عالمي جديد أحادي القطب بالكامل”.
وأضاف لافروف: “لم يعد هناك أي شكوك في أن إحدى القواعد التي يحاول الغرب تطبيقها الآن عندما نتابع ذروة النزاع الأوكراني هي ردع أي منافس”، لافتاً إلى أن الحديث يدور الآن عن روسيا بينما ستأتي الصين لاحقاً.
وأوضح لافروف أن الغرب يسعى إلى استبدال القانون الدولي بـ”النظام العالمي المبني على قواعد متغيرة”، لافتاً إلى أن هذه القواعد لا وجود لها في الواقع بل يجري إعدادها في كل حالة من مجموعة ضيقة من الدول.
وشدّد وزير الخارجية الروسي على أن هدف الغرب يكمن في ردع روسيا وأي دولة أخرى تمارس السياسات الخارجية المستقلة، مضيفاً: إن حلف ناتو “اختار أوكرانيا كآلية لقمع استقلالية روسيا”.
وأشار لافروف إلى أن العقوبات غير المسبوقة المفروضة على روسيا في ظل عمليتها العسكرية الحالية في أوكرانيا لا تستهدف قيادة روسيا فحسب بل اقتصاد البلاد بالكامل.
وقال لافروف: إن “الغرب المتحضر تلقى تعليمات بمهاجمة كل ما يتعلق بروسيا”، موضحاً أن كل ذلك يأتي من أجل تطبيق آمال الغرب في إزالة العائق الذي تشكله روسيا أمام جهود بناء العالم الأحادي الجانب.
ولفت لافروف إلى أن الجولة الأخيرة من النزاع في أوكرانيا لم تنطلق ببدء روسيا عمليتها العسكرية في أراضيها بل برفض الغرب مطالب موسكو لوضع نظام ضمانات أمنية ملزمة قانونياً بغية تطبيق مبدأ الأمن المشترك غير القابل للتجزئة.
وأوضح لافروف أن روسيا تملك وثائق تؤكد أن الحكومة الأوكرانية قبل بدء العملية كانت تحضّر لشن هجوم واسع النطاق بغية استعادة السيطرة على منطقة دونباس بالقوة.
وحول المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا اعتبر لافروف أن مصلحة واشنطن ألا تسير المفاوضات بسرعة بل أن يطول أمد العملية العسكرية ومواصلة ضخ أسلحة بكميات هائلة إلى حكومة كييف، وقال: إن المفاوضات الجارية حالياً تتقدم ببطء وكييف تتحمل المسؤولية عن تغيير مواقفها باستمرار ومراجعة اقتراحاتها.
وحذر لافروف من أي خطوات من ناتو لنشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا لأن ذلك سيكون صداماً مباشراً مع القوات الروسية.
من جهتها، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن الوفد الأوكراني الذي يشارك في المفاوضات مع روسيا لا يمثل وجهة النظر الأوكرانية بل يعمل وفقاً للتوصيات الأمريكية.
وقالت زاخاروفا في تصريح للصحفيين اليوم: “من الممكن إجراء حوار بنّاء إذا كان من تتحاور معه يمثل جهته على عكس ما نشهده في المفاوضات بخصوص أوكرانيا فوفدها يعتمد على ما تمليه عليه الولايات المتحدة”.
وتساءلت زاخاروفا: “عندما يتظاهر الناس بتمثيل وطنهم وشعبهم لكنهم في الواقع يقرؤون الكتيبات والمواد التي يكتبها المسؤولون الأمريكيون فأيّ حوار سيكون في هذه الحالة”، مضيفة: “قد يكون هناك حوار لكنه لن يؤدّي إلى النتيجة المرجوّة”.
وأشارت زاخاروفا إلى أنه بالاشتراك مع واشنطن صوّتت كييف في منصة الأمم المتحدة أكثر من مرة ضد القرار الذي قدّمته روسيا بشأن مكافحة تمجيد النازية والنازية الجديدة.
وبخصوص العلاقة مع اليابان قالت زاخاروفا: من غير الممكن مناقشة وثيقة أساسية للعلاقات الثنائية معها في وقت تتخذ فيه الحكومة اليابانية مواقف غير ودية تجاه روسيا.
وقالت زاخاروفا: “لم تكتفِ اليابان بإصدار عدد من التصريحات غير المقبولة فحسب، بل نفذت أيضاً عدداً من هذه الأعمال العدائية كالعقوبات.. وبالتالي لا يمكن مناقشة التوقيع على وثيقة أساسية في العلاقات الثنائية مع دولة تتخذ مواقف غير ودية صريحة تجاهنا وتحاول بشكل منهجي إلحاق الضرر بمصالح بلدنا”، مضيفة: “في مثل هذه الظروف ومع هذا النهج من القيادة اليابانية فإنه لا يمكن الحديث عن تطوير العلاقات والوثائق ذات الصلة بمعاهدات سلام”.
وأوضحت زاخاروفا أنه منذ شباط 2022 أصبح الموضوع الأوكراني هو الموضوع الرئيسي للحكومة اليابانية على الرغم من أن اليابان ليس لها حدود مع أوكرانيا، مشيرة إلى أن اليابان “لم تنضمّ إلى الجوقة المعادية للروس فحسب بل وقفت في الطليعة.. وربما بدأت في تقديم صوت الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.
من جهة أخرى أكدت زاخاروفا أن سلطات كييف تمنع إجلاء اللاجئين إلى روسيا وتدفعهم قسراً إلى الغرب ما يجعل الناس رهائن في بروكسل.
وقالت: “في الواقع فإن سلطات كييف هي التي تحظر الإجلاء إلى بلدنا وتدفع اللاجئين بالقوة إلى الاتجاه الغربي.. ولا يزال الكثير منهم يحاولون أن يسافروا إلى روسيا لكن دول الاتحاد الأوروبي وبولندا في المقام الأول لا تسمح لهم بالقيام بذلك فالناس يصبحون رهائن أولاً في كييف ثم في بروكسل”.
وفي الأثناء، أكد النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي وجود أدلة على تحضير المتطرفين في أوكرانيا استفزازات كيميائية جديدة محذراً نظام كييف ورعاته من تحمّل المسؤولية المباشرة عن أي حوادث محتملة في المنشآت الاوكرانية التي تخزن فيها المواد الكيميائية.
وقال بوليانسكي في تصريح صحفي: “نظراً لتجاهل نظام كييف لاتفاقية الأسلحة البيولوجية وتطويره برنامجاً بيولوجياً عسكرياً بدعم أمريكي ولرغبته بامتلاك أسلحة نووية يتضح أنه وبتشجيع من الغرب لن يتوقف عند أي شيء لتخويف شعبه وشنّ هجمات لاتهام روسيا في سيناريو يشبه الحوادث الكيميائية التي نفذتها مجموعات إرهابية في سورية بمساعدة مخابرات غربية لاتهام الحكومة السورية بها”.
وأضاف بوليانسكي: “هناك أدلة على تحضير المتطرفين في أوكرانيا استفزازات كيميائية جديدة وسيتحمل النظام القومي في كييف ورعاته المسؤولية المباشرة عن اي حوادث محتملة في المنشآت التي تخزن المواد السامة وسيحاسب على ذلك”.
ولفت نائب المندوب الروسي إلى أن القوميين المتطرفين أوصلوا حاويات من المواد السامة إلى مدرسة في قرية كوتليدولوهو جنوب أوكرانيا لتفجيرها عند اقتراب القوات الروسية، مشدّداً على أن روسيا لم ولن تخطط لتنفيذ ضربات ضد أي منشأة أوكرانية لتخزين أو إنتاج المواد السامة.
إلى ذلك، حذر السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنطونوف الولايات المتحدة وحلفاءها من مخاطر ضخ الأسلحة وإرسال المرتزقة الأجانب إلى أوكرانيا وما يشكّله ذلك من تهديد للأمن الأوروبي والعالمي.
وقال السفير في بيان اليوم: “إن مد نظام كييف بالسلاح وإرسال المرتزقة الأجانب عمل غير مسؤول وخطير للغاية فعسكرة أوكرانيا تهدّد بشكل مباشر الأمن الأوروبي والعالمي”.
وأضاف أنطونوف: “يجري نقل الأسلحة إلى أوكرانيا بسبب التفسير التعسفي لقوانين مراقبة الصادرات الوطنية من سلطات الدول الغربية وغالباً ما تتم الموافقة على التراخيص في نظام مبسّط، ونتيجة لذلك ينتهي جزء كبير من الأسلحة في أيدي قطاع الطرق والنازيين والإرهابيين والمجرمين”.
وتابع أنطونوف: “ألا يدرك الغرب حقا أن قاطعي الرؤوس الذين أتوا من جميع أنحاء العالم إلى أوروبا وبعد أن يكتسبوا خبرة قتالية في أوكرانيا يمكنهم لاحقاً تطبيقها في أي مكان بما في ذلك عند العودة إلى أوطانهم”.
وقال أنطونوف: “إن قادة الغرب لا يفهمون مخاطر انتشار الصواريخ والأسلحة التي تم نقلها إلى القوات المسلحة الأوكرانية عبر الاتحاد الأوروبي واستخدامها لاحقاً ضد الطيران المدني”.
ودعا السفير الروسي السياسيين الأمريكيين الذين يتخذون قرارات إمداد كييف بالأنظمة العسكرية إلى التخلص من الأوهام والغرور لأن الولايات المتحدة ذاتها ليست محصّنة من حقيقة أن الأسلحة ستنتهي في أيدي المتطرفين على أراضيها.
وأكد أنطونوف أن الشركات الصناعية العسكرية الغربية فقدت تماماً إرشاداتها الأخلاقية وهي على استعداد لكسب المزيد من المال عن طريق إراقة الدماء.
وفيما يخص تفاعلات الأزمة الأوكرانية في الأوساط السياسية الأمريكية، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو الأمريكية البروفيسور جون ميرشايمر أن صناع السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا هم من أثاروا الأزمة في أوكرانيا وعلى عاتقهم تقع مسؤولية حدوثها.
وقال ميرشايمر في تحليل نشرته مجلة ذا أوكونوميست البريطانية: إن صانعي القرار في واشنطن وأوروبا يتحمّلون مسؤولية حدوث الأزمة في أوكرانيا من خلال محاولتهم دمج هذا البلد في الغرب وتجاهلهم المستمر لمخاوف روسيا الأمنية.
ووصف ميرشايمر الأزمة في أوكرانيا بأنها واحدة من أخطر الصراعات الدولية حيث يعمل الغرب على زيادة مساعداته المالية والعسكرية لسلطات كييف من جهة وتشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا من جهة أخرى، في تصعيد واضح يمكن أن يؤدّي حسب رأيه إلى كارثة متمثلة باندلاع حرب بين حلف شمال الأطلسي “ناتو” وروسيا.
ميرشايمر دعا إلى ضرورة فهم الأسباب الجذرية لإيجاد سبيل لإنهاء الأزمة الأوكرانية، مبيّناً إن المشكلات بدأت في قمة ناتو في بوخارست عام 2008 عندما دفعت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش حلف “ناتو” إلى الإعلان بأن أوكرانيا وجورجيا ستصبحان عضوين فيه، ما أثار انتقادات حادة من روسيا التي أكدت مرة بعد أخرى مخاوفها من توسع “ناتو” شرقاً واقترابه من حدودها.
وأوضح ميرشايمر أن الغرب تجاهل مرة أخرى مخاوف روسيا الأمنية أواخر عام 2021 مع إضماره نيّات ضم أوكرانيا إلى “ناتو” ما أدّى مباشرة إلى الأزمة الحالية، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة بدأت منذ ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بيع أسلحة فتاكة الى كييف في حين تبعت بقية دول “ناتو” هذه الخطوة عبر إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا وتدريب قواتها المسلحة والسماح لها بالمشاركة في مناورات جوية وبحرية مشتركة، وكل ذلك يندرج في إطار تحرّكات عدّتها موسكو “تهديداً واضحاً لها”.