مجلة البعث الأسبوعية

البحوث الزراعية تُحذر .. العجز المائي قادم والموارد المائية نائمة بالعسل!!

البعث الأسبوعية – نجوى عيدة

لم تعد الأزمة التي عصفت بالبلاد منذ أكثر من عشر سنوات الشماعة الوحيدة التي تعلق عليها الوزارات فشلها في إنجاز المشاريع, بل بات العامل المادي “فيتو” ترفعه بوجهك المؤسسات عند الاستفسار عن الإنجازات المهمة, ووزارة الموارد المائية واحدة من تلك الوزارات التي “نامت” على مشاريع يتجاوز عمرها السنين بسبب ضعف التمويل كما تدعي , علما أن موازنتها في كل عام بالمليارات غير أن مشاريعها لا تتعدى بضع سدّات مائية.

أعذار ونسب إنجاز

معاون الهيئة العامة للموارد المائية الدكتور باسل كمال الدين برر في حديثه لـ “البعث” تأخر بعض المشاريع المهمة كخزانات سهل الغاب الذي ينفذ بشراكة إيرانية وسد “فاقي حسن” هو بسبب حاجتها لأموال ضخمة بوصفها أعمال كبيرة, خاصة في ظل الأزمة وإجراءات الحصار, موضحاً أن مشروع الخزانات الغربية في الغاب, عادت وأخطرت مجموعة “صروح هورموزان”  – بحسب كمال الدين- أكثر من مرة رغبتها بتنفيذ المشروع, بدورها “الموارد المائية ” قامت باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة من مطابقة الدراسة على الواقع وتحديد الكلف التقديرية وعلى إثرها تمت دعوة الجانب الإيراني لزيارة  مواقع تلك الخزانات للمباشرة بإجراءات التعاقد , ولكن وصول جائحة كورونا والوضع الاقتصادي والمصرفي ساهم بشكل كبير بتأخر التنفيذ, دون أن يحدد الدكتور كمال الدين فترة زمنية لإعادة الاتصالات والتشبيك للمباشرة بالعمل , أما بالنسبة لسد “فاقي حسن” في منطقة البسيط باللاذقية فهو كما بين قيد التنفيذ من خلال الشركة الوطنية – مؤسسة الإسكان العسكرية- ومن ضمن اعتمادات الخطة الاستثمارية للهيئة, وفيما يتعلق  بالسدّات المائية التي “تشهرها” الهيئة بوجه السائلين والمتسائلين عن كيفية استثمار أي نقطة مطر, أشار معاون المدير  بوجود خطة شاملة لديهم لتقييم كافة السدود خاصة من كانت مهملة أو خارج السيطرة, وبناءاً على النتائج بوشر بأعمال التأهيل وفق توفر الإمكانيات المالية,  وعلى سبيل المثال فقد تم تقييم سدود “الرقاد والبريقة ” في القنيطرة وسد الشهيد باسل الأسد والعلان والشيخ مسكين في درعا, إضافة  لسدود صلخد والروم وسهوة الخضر والغيضة والمشنف الشمالي في السويداء بالتوازي مع إعادة تأهيل سد بيت القصير وبيت ريحان في اللاذقية وتقييم سد سلحب في حماه .

تهرب وزاري

ورغم  تأكيد “الموارد المائية” استجابتها الفورية لأي مطلب إعلامي بغية وضع المواطن في صورة الصعوبات التي تواجها , إلا أنها  وبعد تأخر الردود على استفساراتنا لشهر تقريبا , لم تقدم  إجابة شافية نخرج بها للمهتمين عن كيفية تجاوز الهدر المائي الحاصل في القطاعين المنزلي والصناعي والذي تجاوز بحسب خبراء 30%,  كما أنها لم تجب على ما تحمله في جعبتها لقادمات الأيام من مشاريع وخطط تواجه فيها العجز المائي الذي من المتوقع بحسب دراسات الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية أن يصل في سورية  إلى 6 مليارات متر مكعب في العام 2030, واكتفى معاون مدير الهيئة بكلام بات الجميع يحفظه عن ظهر قلب سيما المتعلق منه بالري الحديث والذي لم يأت على قدر آمال الفلاحين, وبين أن الوزارة  قامت باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للاستفادة من أي وارد عبر مشاريع حصاد المياه وعدم منح أي ترخيص دون اعتماد أساليب الري الحديث ووضع الخطة الزراعية بما يتوافق مع المتاح المائي إضافة لقمع الآبار المحفورة حديثا والمخالفة ومصادرة الحفارات وتنظيم الضبوط العدلية وإحالة المخالفين للقضاء , في وقت تم مؤخرا حصر كافة الآبار المحفورة ولمختلف الأغراض وفق الآلية التي تم وضعها من قبل لجنة مشكلة من وزارتي الموارد المائية ونظيرتها الزراعة لوضع المقترحات اللازمة بشأنها.

العجز المائي قادم

للبحوث الزراعية رأي آخر سواء من ناحية هدر المياه أو”غياب ” مشاريع الري الحديث, وهي من أنذرت بما ستؤول إليه الأحوال المائية من عجز بعد ثماني سنوات, حيث بين الدكتور محمد منهل الزعبي مدير إدارة بحوث الموارد المائية أنه خلال مناقشة كميات الموارد المائية المتاحة حسب مصادرها المختلفة نعلم أن الواردات المائية المطرية هي مصدر تغذية للمياه الجوفية  المتجددة بنسبة 7– 9% إلى جانب تشكيل المخزون الرطوبي للتربة والجريان السطحي في الأحواض الداخلية, لذا فإن قسم من هذه الهطولات خصوصاً في السنوات المطيرة تذهب إلى البحر, وأكد مدير “إدارة البحوث”  على أن الزراعة هي المستهلك الأكبر للمياه  بنسبة 88% من الموازنة المائية كونها تستخدم طرائق الري التقليدية بالغمر، كما أن شبكات الري الحكومية المكشوفة، وعدم صيانتها وتغطيتها تؤدي عن طريق الرشح والتبخر إلى ضياع ما يُقدر بنحو 10% إلى 37%، منوهاً إلى ضرورة البحث عن المحاصيل الأقل استهلاكاً للمياه وإحداث تغيير لبعضها الآخر  والتركيز على طرق الري الحديث , في حين تقدر الاستعمالات الأخرى بـ 9% لأغراض مياه الشرب، و3 % للصناعة والسياحة وأغراض أخرى مختلفة, وحذر الزعبي من عدم تطبيق تقنيات الري الحديثة وسوء استخدام المياه لري المحاصيل، والذي سيزيد الاعتماد على المياه الجوفية المتجددة وانخفاض مستوياتها  في مناطق عديدة، ما ينذر بكارثة مائية أصبحت ملامحها تلوح في الأفق خاصةً مع ما نشهده اليوم من تغيرات مناخية كبيرة تجعل من الجفاف سيد المشهد.

حسابات

وأوضح الزعبي أن حساب الموازنة المائية في نهاية كل عام هيدرولوجي تتم على مستوى الأحواض المائية السبعة واعتماد الهطولات المطرية الواردة من محطات المديرية العامة للأرصاد الجوية ونشرات وزارة الزراعة كما يتم حساب كمية المياه السطحية والجوفية والمتاحة منها والتبخر,  وفق الدراسات المنفذة على هذه الأحواض، بالتوازي تجري حساب كميات المياه المستخدمة للري والشرب والصناعة من خلال البيانات الواردة من الجهات ذات الصلة  وعليه يتم حساب الموازنة المائية /وفر أو عجز/,  مع الإشارة إلى أنه وخلال السنوات السابقة عانت أغلب الأحواض من عجز مائي باستثناء حوض الفرات وحلب و حوض الساحل والبادية, وأدت زيادة المساحات المروية باضطراد سنوياً دون الأخذ بعين الاعتبار الموارد المائية المتاحة للزراعة في كل سنة مائية إلى حدوث عجز مائي في معظم الأحواض كان يتم تسديده على حساب المياه الجوفية,  ما أدى لانخفاض ملحوظ في مناسيب الآبار.

تعاون خجول

وتحدث الدكتور الزعبي عن الاتفاقية المبرمة بين الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ووزارة الموارد المائية  والتي تحث على العمل لإجراء دراسات حول حصاد مياه الأمطار بغية تخزين مياه الأمطار والسيول، ودرء خطر الفيضانات والحد من تدهور التربة نتيجة الانجراف المائي، في وقت يتم التعاون على تنفيذ عدد كبير من السدات المائية المقترحة في المنطقة الساحلية والتي هدفها زراعي وبيئي ومياه شرب وإطفاء حريق, ولم يتوان الزعبي عن ذكر المصادر المائية  المتنوعة لدينا من مياه أمطار وأنهار دائمة ومؤقتة الجريان والينابيع والآبار حيث يقدر متوسط الهطول المطري السنوي بحوالي 46.63 مليار م3 بالسنة، ومتوسط الواردات المائية المتجددة (السطحية والجوفية) هو حوالي 9.026 م3 بالسنة، إضافة إلى حصتنا من واردات نهر الفرات التي تشكل 42 % من الوارد السنوي الوسطي500  م3/ثا وفق الاتفاقيات (210 م3/ثا حصة سورية، 290 م3/ ثا حصة العراق) ما يعادل  6.627 مليار م3 سنوياً, كما أن حصتنا من واردات نهر دجلة المقدرة بـ 1.25 مليار م3 في السنة (سيتم الاستفادة منها ضمن مشروع ري دجلة).