تطبيق معايير الاحتراف الحقيقي غائب عن الأذهان… كرتنا أسيرة التخبط والفوضى… والحلول تائهة
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
يتبادر للذهن سؤال بريء: هل كرتنا محترفة وهل أنديتنا تعرف ما الاحتراف؟ حسب المعطيات التي نعلمها فإن كل المؤسسات الرياضية تعرف ما الاحتراف الحقيقي، وهذه ليست خافية على أحد لأن الاتحاد الآسيوي أرسل قبل عدة سنوات لوائح الاحتراف وتعليماته ومعاييره الفنية والإدارية والتنظيمية والمالية، وهذه المبادئ ليست صعبة التطبيق والتحقيق ولا عسيرة وعصية والعديد من أنديتنا قادرة على تنفيذها، لكن للأسف فإننا نشعر أن هذه الأندية ومن يعمل فيها ليس لديهم الرغبة بالتنفيذ فمعايير الاحتراف تحتاج القليل من الجهد المترافق بالتنظيم الدقيق والإدارة الخبيرة الواعية، والصدق والإخلاص في العمل.
المعايير التي وضعها الاتحاد الآسيوي لمنح أنديتنا الرخصة الرياضية الاحترافية ليست مجبرة عليها كل أنديتنا ولكنها ضرورية لبناء كرة القدم على الوجه الصحيح وصولاً إلى المستويات التي نتمناها ونحلم بها.
ومن الشروط التي كانت مطلوبة سابقاً صك ملكية الملعب والنادي، وهذا الشرط انتهى بعد أن ألغي، واستبدل بمجرد وجود مقر وملعب رسمي لا يمارس عليه المباريات أكثر من فريقين، وسواء هذا المقر أو الملعب كان ملكاً للنادي أو مستأجراً أو ممنوحاً من جهات حكومية كالمحافظة أو أي وزارة أو اللجنة الأولمبية فهو مقبول، وهذا الشرط كان أهم عائق يقف أمام رخصة الأندية على الصعيد الخارجي.
في المباريات الخارجية التي تقام تحت مظلة الاتحادين الدولي والآسيوي فإن المطلوب من أنديتنا صلاحية الملعب بكل مرافقه من أرض ومدرجات ومرافق صحية وغرف الفرق والحكام ومستلزمات الملعب وتجهيزاته، كما يطلب التأكد من سلامة المدرجات حتى لا تكون آيلة للسقوط ووجود الإسعاف ورجال الإطفاء وحفظ النظام وهي من الإجراءات الواجب توفرها في كل المباريات سواء كانت محلية أو خارجية، ولا نظن أن مثل هذه الإجراءات البسيطة نحن عاجزين عن توفيرها والمفترض أن تكون موجودة في كل النشاطات المحلية.
معايير إدارية
المعايير الإدارية المطلوب وجودها في كل ناد هي معايير منطقية وخصوصاً للأندية التي تملك منشآت واستثمارات وهي ليست عملية فرض شكل معين من الاتحاد الآسيوي أو الدولي إنما هي الأصول المرعية المفترض توفرها في كل ناد ومؤسسة رياضية في كل دول العالم، وإضافة لهذه المعايير هناك معايير فنية أيضاً، ومن يتابع هذه الإجراءات يجد أن أنديتنا بحاجة لها بكل الأحوال، لأنها تضبط العمل وتمنع التفرد بالقرار وتحمي الاستثمار من الفوائد الشخصية، وبصراحة أكبر هي تقف بوجه الفساد بكل أشكاله.
في البداية يجب أن يكون لكل ناد جمعية عمومية حقيقية منتخبة مستوفية الشروط القانونية، هذه الجمعية تنتخب من أعضاء النادي، وهذه الجمعية تختار رئيس النادي وأعضاء مجلس الإدارة ولها دور رقابي على العمل ومن الممكن أن تحجب الثقة عن الإدارة أو رئيس النادي أو أي عضو فيه لأسباب معللة ومنصوص عليها في مواد النظام الداخلي.
والعمل يتم وفق هذا النظام الموضوع للمؤسسات الرياضية وحسب بنوده ويمكن تعديله حسب التطورات الملحة التي تستدعي تغيير بعض المواد أو تعديلها، والنظام الداخلي هو شأن داخلي فكل اتحاد وطني يصدر هذا النظام حسب الرؤية العامة والظروف وآلية العمل الموجودة ولا سلطة خارجية عليه، لكن يجب أن يكون معلوماً وأن يطلع عليه الاتحادين الآسيوي والدولي.
تعين إدارة النادي لضمان سير نجاح العمل مجموعة من الموظفين باختصاصات مختلفة تبدأ من مدير النادي والأمين العام أو أمين السر ومدير المقر وهو مسؤول عن تأمين كل شيء للنادي إضافة لعمله الاعتيادي ومحاسب قانوني معتمد ومستشار قانوني ومسؤول أمن وسلامة ومنسق إعلامي ونقطة طبية يقودها طبيب مع مجموعة من المعالجين والمدلكين.
الشروط الفنية
النادي ليس فريق رجال فقط، فالمفهوم العام الذي تتبعه الاتحادات الدولية والقارية والكثير من الاتحادات الوطنية أن النادي مسؤول عن رعاية كرة القدم وبنائها وصناعة النجوم، وهذا الأمر يتطلب أموراً كثيرة، نذكر منها: قطاع تطوير اللاعبين، وهذا القطاع يفترض وجود ثلاث فئات على الأقل (أشبال وناشئين وشباب) ونلاحظ أن كل أنديتنا لديها هذه الفئات، لكن الوجود وحده لا يكفي لأنه بحاجة إلى برامج تدريبية وهيكلية تنظيمية.
البرامج التدريبية هي عبارة عن مناهج تدريبية متصلة ومتتابعة من فئة الأشبال إلى الشباب ضمن خطة فنية مدتها سبع سنوات يتخرج اللاعب منها من فريق الشباب ليكون مؤهلاً لدخول فريق تحت 23 سنة أو فريق الرجال حسب مستواه.
والهيكلية التنظيمية تعني وجود مدير إداري لهذا القطاع ومدير فني، وعدة مدربين لكل فئة من المدربين الاختصاصيين، ويتم تقييم العمل بشكل دوري من قبل المدير الفني، مع وجود نقطة طبية إضافة لفحوص بشكل متواصل لمعرفة قدرات اللاعبين وللكشف المبكر عن الإصابات، وهناك اختبارات خاصة يمكن أن تقدر مستوى عطاء اللاعب بحيث تتنبأ هذه الاختبارات بولادة نجم أو إنها تعطي العكس بأن هذا اللاعب لا يصلح لكرة القدم.
مع الاهتمام بالعملية الفنية والبدنية والرعاية الصحية لا بد من الاهتمام بالعملية الدراسية ومتابعة تعليم اللاعبين وتشجيعهم على التفوق الدراسي، وإقامة ندوات دورية توعية للكشف عن مخاطر التدخين والمخدرات والمراهنات، والتشجيع على اللعب النظيف وتنمية روح الإبداع.
أما المدارس الكروية والأكاديميات فهي تسير على المنهج نفسه وهي للفئات الصغيرة التي تؤهل اللاعبين الصغار للانضمام إلى فرق الأشبال، وسبق أن تحدثنا عنها.
مقارنة واجبة
إذا أردنا مقارنة هذه المعايير بإمكانيات أنديتنا فإننا نقول إن أغلب الأندية الكبيرة قادرة على تنفيذها ولكنها بحاجة إلى الخبرة والإرادة لجعل هذه الأندية نموذجية، والعمل وفق هذا البرنامج يمكن أن يسير خطوة خطوة لنصل إلى تمام التنفيذ، وعلى سبيل المثال فكل الأندية لدينا تملك فرق الشباب والناشئين والأشبال، ولكن هذه الفرق مهملة لأن أنديتنا صرفت اهتمامها ومالها على فرق الرجال، الموضوع بحاجة إلى التنظيم والجدية بالتعامل، ودوماً نرى إدارات أنديتنا تصدر قراراتها بتعيين كوادرها لهذه الفئات، وهذه خطوة مهمة جداً ولو اتبعتها بباقي الخطوات لكانت الحصيلة مفيدة جداً، باقي الخطوات تحتاج إلى المال، ولذلك فلو وضعت إدارات الأندية ربع ما تصرفه على الرجال على قطاع الفئات لتحققت العملية الكروية الشاملة والناجحة.
في الواقع العملي فإن أنديتنا عرفت مفهوم الاحتراف على أنه شراء لاعبين وتوقيع عقود معهم ومع المدربين وصرفت لأجل ذلك كل ميزانياتها بل واستدانت من أجل ذلك، وللأسف وجدنا أن أغلب العقود لم تكن جيدة بعد أن سار الموسم وتجاوزنا أكثر من نصف مبارياته، واتضح لنا أن الأندية إما غارقة بالفساد أو غارقة بالجهل، فهناك الكثير من اللاعبين الذين قبضوا عشرات الملايين تبين أنهم لا يستحقون هذه المبالغ والدليل ما قدموه على أرض الملعب من مستوى، ونبين أيضاً أن هناك لاعبين مصابين تم توقيع عقود معهم، بعضهم إصابته معروفة مسبقاً وبعضهم الآخر أخفى إصابته، ولو اعتنت أنديتنا بالجانب الطبي لاكتشفت سلامة اللاعبين قبل توقيع العقود معهم.
شروط التأهل
في كل دول العالم هناك شروط لانتقال النادي من دوري الهواة إلى دوري المحترفين وذلك لضمان سير النشاطات ضمن الحدود الدنيا لكل فئة ولكل درجة، ونحن لدينا دوري محترف واحد هو الدوري الممتاز، ولدينا دوري هاوي في الدرجات الأولى والثانية والثالثة، الانتقال من الدرجة الأولى إلى الدرجة الممتاز يحتاج إلى شروط، ونحن هنا نسأل: أي الأندية المرشحة الآن من الدرجة الأولى إلى الدرجة الممتازة تملك شروط الوجود بالدرجة الممتازة؟.
إذا بدأنا بالشرط المالي فمن الصعب تأمين نفقات دوري المحترفين من أي ناد من الأندية الأربعة المرشحة حالياً للتأهل، ولو أخذنا المجد كمثال فإن ميزانيته غير قادرة على تحمل أعباء الدوري فضلاً عن عقود اللاعبين، أما جرمانا فهو لا يملك الموارد المطلوبة في الحد الأدنى ليمثل بلدته خير تمثيل في الدوري، ومهما حاول جمع تبرعات وهبات فإن هذا لا يكفي لأن النادي الذي يسير على الهبات سينقطع وسط الطريق.
ونرى بأم أعيننا حال الفرق المهددة بالهبوط وهي تعاني من أزمات مالية كبيرة كفريق عفرين ومثله النواعير وغيرهما من الأندية، وهل نستطيع أن نقول إن عفرين حقق انجازاً بالتأهل إلى الدرجة الممتازة ولم يستطع الصمود ولم يحقق أي فوز في 17 مباراة متتالية؟
لذلك نحن نرى أن تخفيض دوري المحترفين إلى عشرة أندية هو القرار الصحيح الذي يصب في خدمة الأندية.
النادي النموذجي
من الطبيعي عندما نستعرض كل ما سبق فإننا نحلم بالوصول إلى النادي النموذجي، لا نقول مثل ريال مدريد وميلان، ولكن مثل الأندية المجاورة التي تعتمد الاحتراف الحقيقي منهجاً لها، والدليل أن منتخبات هذه الدول سبقتنا خطوات وغلبتنا بكل الفئات، فمنتخب الأردن فاز علينا بفريق تحت 23 سنة بنتيجة كبيرة ووجدنا أن لبنان تغلبت علينا بفريق الشباب والنتائج على هذه الشاكلة كثيرة من دول أخرى ونخجل من استعراضها، فهذه البلدان التي لا تملك إمكانيات أكثر من إمكانياتنا ولا مواهب أكثر من مواهبنا ولا خبرات أفهم من خبراتنا عرفت كلمة السر فطبقت الاحتراف النموذجي بدءاً من مدارس الصغار مروراً إلى فرق القواعد وصولاً إلى الرجال فكان الاحتراف الحقيقي الذي رفع من شأن كرتهم.
الاحتراف الحقيقي ليس صعباً تطبيقه في بلادنا وفي أنديتنا ولكن هل نملك الرغبة الحقيقية في التنفيذ؟