القهوة العربية مكانتها وتقاليدها وصنعها
البعث الأسبوعية – محمد غالب حسين
تحظى القهوة العربية بمكانة كبرى عند العرب منذ غابر الزمن، لذلك احتفى بها أبناء الجولان أيما احتفاء، فتغنوا بها، ووصفوا مذاقها، وعشقوا فوحها الأجمل، وجعلوها رمزاً للجود والكرم والفخر والمكرمات، وتفننوا بصناعتها، وصاغوا لها تقاليد، يحترمها المجتمع، ويفتخر بها الناس، وغدت القهوة شراب النبلاء الكرام في المضافات التي كانت مجالس للفرح والسهر والسمر والطرب والفكاهة والحكمة والأدب الشعبي والقصص والشعر، وحلّ الخلافات عبر رجالات كرام مفاتيح للخير والمحبة والوداد، مغاليق للشر والخلافات والمشاحنات والبغضاء.
فالقهوة العربية المرة لم تكن محصورة بمناسبات العزاء، كما نرى هذه الأيام، بل كانت المشروب السّامي اليومي العذب الجميل الذي نستقبل به ضيوفنا هاشّين باشّين، ونودعهم بفوحها الذي لا يدانيه عطر، ولا يلامسه عبق في الدنيا.
تاريخ القهوة العربية
القهوة العربية الأصيلة هي مشروب منبّه مُنشِّط يشرب ساخناً، ويتدرج لونها من الأصفر (الأشقر) إلى الأسود مروراً باللون البنيّ، حسب درجة حمس حبوب القهوة. وتتميز بأنها مرة وليس فيها سكر أبداً، وهي مدرجة ضمن التراث الثقافي غير المادي العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة والعلوم أي اليونيسكو منذ عام ٢٠١٥، كما يحتفل العالم بيوم القهوة العالمي في الأول من شهر تشرين الأول كل عام.
أدوات القهوة
-الظِبية: منحت اسمها من جلد الظبي الذي يُسلّخ، ويعالج بالملح وقشور الرمان، ليستعمل في حفظ القهوة، وقد يتم استعمال جلود الخراف أو الجَدايا بعد معالجتها لهذه الغاية أيضاً، ويعمد المغرمون بالقهوة لوضع الظبية في بيت قماشي حريري زاهٍ ملوّن، تتدلى منه مزخرفات وتزيينات وحواشي وشراشب مبهرة فاقعة.
-المحماسَة: أي المحماصة التي يتم تحميص حبيبات القهوة فيها، وقد استثقلوا الكلمة، فصفحوها أي قلبوا حرف الصاد سيناً، فأصبحت المحماسة بدلاً من المحماصة، وهي تشبه المقلاة، وتصنع من الحديد، وصحنها الدائري الذي يستعمل للتحميص عريض الحافة مقعر، يتصل بمقبض مضلع يتجاوز طوله (٧٥) سم، وهو مُزيّن بأضلاع وزخارف وخطوط وتزيينات ورسوم موحية تعبيرية، وينتهي بسلسلة معدنية خفيفة لتعليق يد المحماسة.
-المهباج: ويحمل عدة أسماء، لكل اسم دلالاته ومعانيه كالجُرن والنجر والمُصوّت وغيرها، وهو جرن أسطواني يصنع من خشب البطم، وهو الأفضل صناعة، والأكثر قوة ومتانة، والأجمل صوتاً ومناغاة وطواعية عند طحن القهوة، وقد يصنع أيضاً من خشب الزعرور والتوت والمشمش والجوز.
وتختلف حجوم المهابيج وسعتها، فقد يصل ارتفاع بعضها عند سراة القوم للمتر، كما يبرع صانعو الأجران بتزيينها، لتبدو لوحات فنية باذخة بنقوش ورسوم وزخارف وأشكال هندسية متناظرة موحية مدهشة، ويتمّ أيضاً تزيينه بعروق من الصدف أو الفضة، إضافة لدهنه بمادة عازلة لامعة لحفظه وتجميل سطحه، وتجويف الجرن واسع من الداخل، ويضيق عند فوهته التي لا يتجاوز قطرها (١٠) سم، وتُزيّن بإطار عريض من المعدن المغموس بالفضة لحمايتها من الصدمات أثناء دق القهوة وطحنها بيد الجرن الخشبية التي يزيد طولها على (٧٥) سم.
-الدِّلال: جمع دَلَّة، وهي الأوعية النحاسية التي تستخدم بصنع القهوة، وهي مختلفة الحجوم والأشكال، وسميت الدّلّه بهذا الاسم اشتقاقاً من (الدَلَه) وهو الأنس الذي يصاحب جلسة تناول القهوة.
-الفناجين: كلمة فنجان فارسية، ومنهم من يقول: إنها كلمة عربية تتألف من كلمتي (فن) و(جان)، وعلى هذا التخريج اللغوي، واستناداً لهذه الرواية، يكون أول من شرب القهوة هو سيدنا سليمان الذي طلب من الجن شراباً سائغاً منشطاً، فصنعوا له القهوة، فأعجب بها قائلاً: هذا فن جان، وكان الناس يستخدمون الأكواب النحاسية والفضية والمعدنية لشرب القهوة قبل صنع الفناجين الخزفية الجميلة المتعددة الأحجام والأشكال والألوان.
تقديم القهوة
للقهوة تقاليد تكاد تلامس ضفاف القداسة، لذلك حظيت بهالة من التقاليد التي يجب مراعاتها، والتقيد بها، لأن التهاون بتطبيقها، يُفضي لخلافات ومشادات ونزاعات.
فالمعزب أي صاحب المضافة عليه أن يقف احتراماً للقهوة، وتقديراً لضيوفه، ويصب القهوة بالفنجان ثم يحركها به، ويشرب الفنجان الأول، ليتأكد من حسن مذاقها، ويُطمئن الضيوف بأن القهوة، لا تحمل ضراً لهم. وعليه أن يحمل الدلة بيده اليسرى بينما تكون الفناجين بيده اليمنى، ويصب القهوة باليسرى، ويقدمها بيده اليمنى.
ويجب أن يقدم القهوة أولاً لسيد القوم وزعيمهم ووجيههم مهما كان موقع مقعده بين الحاضرين أو للضيف البعيد التي صُنعت القهوة من أجله، ويكمل تقديم القهوة لكل الحضور فنجاناً واحداً بينما يخصّ كبير القوم أو الضيف بثلاثة فناجين متتابعة، الأول للسيف أي للإقدام والبطولة والشجاعة، والثاني للضيف أي للإكرام وحسن الوفادة والاستقبال والتكريم، والأخير الثالث للكيف أي للاستمتاع بحسن مذاق القهوة.
فوائد القهوة
أثبتت دراسات علمية وأبحاث طبية رصينة، أن القهوة العربية تساعد على الوقاية من الإصابة بالنوبات القلبية لأنها تعمل على التخفيف من الدّهون التي تتراكم على الشرايين، وتقلل من نسبة التعرض للقلق والتوتر، وتخفّف أعراض الاكتئاب، وتساعد على تحسين الحالة المزاجية النفسية للإنسان، وتمنح القهوة العربية قهوة للجهاز المناعي، وتسهم أيضاً بعلاج الصّداع، وتحافظ على صحة اللثة والأسنان، وتقي من التسوس، وللقهوة العربية دور بتجديد بعض خلايا البشرة والمحفاظة عليها، وتقلل من علامات الشيخوخة والتجاعيد.
وتحتوي القهوة العربية مضادات الأكسدة التي تساعد على الوقاية من الإصابة بالأمراض السرطانية، وللقهوة العربية قدرة على زيادة التركيز والانتباه من خلال تنشيط الجهاز العصبي بشكل كبير، وتنظيم معدل السكر بالدم، والمساعدة في زيادة حساسية الجسم للأنسولين مما يفيد في مرض السكري، وتفيد القهوة بالوقاية من الإصابة بمرض الزهايمر، والتقليل من ألم العضلات الناتج عن ممارسة التمرينات الرياضية مع الحرص على عدم تناولها بكميات كبيرة.